يا معشر النقاد رفقاً بالمبدعين!

الإبداع قيمة سامية في حياة البشر، بل إنه محطة إنجاز أساسية، تنطلق منها أعمال متميزة تكون كالضوء في سماء البشرية التي تجعل الحياة أجمل. فالإبداع الحقيقي يفرض نفسه في كل زمان ومكان. والمبدعون على اختلاف مجالاتهم (سواء في الأدب، الموسيقا، الفن، وفي شتى المجالات الأخرى)حملوا راية تطوير المجتمع نحو الأفضل، بأفكارهم ورؤيتهم المتجددة الابتكارية، فسعوا في دروب العطاء ليرتقوا بمجتمعهم ويكونوا بصمة لا يمحوها الزمن.

يقول الكاتب مصطفى أمين في كتابه (ال 200 فكرة): عندما كرَّم الراحل جمال عبد الناصر الأديب الراحل توفيق الحكيم وقلده وسام النيل الذي لا يمنح إلا للملوك والرؤساء، فإن الحكيم لم ينحنِ أثناء تقليده الوسام الرفيع، بل بقي منتصب القامة كتعبير عن أن الأدب لا ينحني للسياسة. ويرى توفيق الحكيم أن الكاتب في أي بلد متحضر أكبر مكانة من الوزير. وهذا أيضاً شعور عباس محمود العقاد عندما قال: العقاد ينزل درجتين عندما يقترح تعيينه وزيراً  للمعارف.

تحت هذا الضوء اللامع نجد أن هؤلاء الكتاب المبدعين كانوا يعلمون جيداً  أهداف رسالتهم في الحياة، فتفانوا لزرع بذور أفكارهم التنويرية التي سيكون حصادها التغيير والتطوير والنور الذي سيشرق في العقول.

و من الزعماء المؤمنين بمدى تأثير الكاتب على مجتمعه واعترافه أن المبدع الحقيقي لا يموت، الزعيم العربي سعد زغلول رئيس وزراء جمهورية مصر العربية الأسبق، الذي قال لأمير الشعراء الراحل أحمد شوقي: إن لقب باشا سوف يموت معك، أما كلمة شوقي فستدخل التاريخ. وفعلاً ماتت الباشوية… وبقي شوقي.  فالكاتب الصادق هو نبض مجتمعه وصوته، وشغله الشاغل تغييره وتطويره بقلمه وأفكاره. وهذا ما يدعوني للاستشهاد بمقولة الشاعر والفيلسوف الفرنسي فولتير: (لا يضيرني أن ليس على رأسي تاج، ما دام في يدي قلم) فكيف لمبدعين منحهم الله هذا التميز ليكونوا شمعة ينيرون طريق البشرية أن يتسطح رأيهم في عمل أدبي ما، وينتقدوا على نحو غير لائق وصحيح وتدخل فيه الأهواء الشخصية وينقد العمل خارج حدود النقد الأدبي البناء!؟

إن النقد البناء له معايير وشروط يجب الالتزام بها وعدم الخروج عنها، فالنقد لا يعني نقد الشخص لذاته، بل تحليل العمل وذكر إيجابياته وسلبياته من الناحية الفنية البحتة، ولكن دون تعسف في العبارات واختيار أحسن الألفاظ واستساغتها بلمسات إيجابية، لتحقيق المساحة الواقعية لتثبيت مبادئ النقد.

إن أبرز أهداف النقد دفع عجلة الإبداع في المجتمع، فالأمم قد تسقط ثقافتها لا من الغزو الاستعماري أو المؤامرات الخارجية، ولكن يحدث نتيجة زرع ثقافة الهيمنة والذاتية الثقافية. فمرض الحقد والغيرة يؤدي إلى انهيار المجتمع بأكمله ودفنه حياً. فالمبدعون هم النور الذي يرشد إلى الحضارات، فرفقا  بالإبداع والمبدعين فهم زهر الياسمين في وطننا الجميل.

العدد 1107 - 22/5/2024