إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة جريمة لا تُغتفر

طبقاً لإعلان حقوق الطفل المسمى إعلان جنيف، الصادر عام ،1924 يعترف الرجال والنساء في جميع أنحاء البلاد بأن على الإنسانية أن تقدّم للطفل خير ما عندها، ويؤكدون واجباتهم، بعيداً عن كل اعتبار بسبب الجنس، أو الجنسية، أو الدين. كما يجب أن يكون الطفل في وضع يمكّنه من النمو بشكل عادي من الناحية المادية والروحية.

هذا ما يؤكّد أن للطفولة عوالم وفضاءات مختلفة تماماً عن عوالم الكبار، الواجب عليهم تأمين حياة لائقة بتلك الطفولة كي تنمو في جوٍّ مشبع بالأمان والطمأنينة اللذين يمنحان الطفل حياة نفسية وروحية تمكّنه من بناء شخصية مستقبلية، خالية إلى حدٍّ ما من الإشكاليات والمعوقات الداخلية التي تعرقل مسيرة حياته، وتُقيّده في سلسلة من الأمراض النفسية والسلوكيات غير السوية اجتماعياً وأخلاقياً.

من هنا، يمكننا القول إن وضع الأطفال في مواقف وأماكن لا تليق ببراءتهم هو جرم أخلاقي واجتماعي وإنساني، لأنه سيخلق من هؤلاء الأطفال أُناساً مشوهين إن لم يصبحوا مجرمين. وهذا الحال نجده للأسف في الواقع السوري في أزمته السياسية الراهنة، فمعظم الأطفال باتوا مشردين بلا مأوى، وبلا أهل، ما يدفعهم للتسوّل ويعرّضهم للكثير من المشاكل والاعتداءات الجنسية والبدنية التي تُفضي إلى أزمات نفسية خطيرة تُمزّق كيان الطفل وشخصيته المستقبلية. لقد جاء في المبدأ السادس لإعلان حقوق الطفل الذي اعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة رقم 1386 (د-14) المؤرخ في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1959 ما يلي:

… ويجب على المجتمع والسلطات العامة تقديم عناية خاصة للأطفال المحرومين من الأسرة، وأولئك المفتقرين إلى كفاف العيش.

كما جاء في المبدأ الثامن منه: يجب أن يكون الطفل، في جميع الظروف، بين أوائل المتمتعين بالحماية والإغاثة.

فإذا كان الواجب الأخلاقي والإنساني والدولي يحتّم على الجميع إيلاء الأطفال عناية واهتماماً ورعاية خاصة في الأحوال العادية، فكيف يستقيم الوضع مع ظروف أزمة سياسية مسلحة تعصف بالبلاد، ضحيتها الأولى والأساسية هم الأطفال الواقعون تحت وابل النيران والتشرّد من جهة، ومن جهة أخرى أشدُّ خطورة، الزجّ بهم وإشراكهم في الأعمال والنشاطات العسكرية التي لا تتوافق بالمطلق مع أعمارهم ونموّهم العقلي والنفسي؟ فإذا كان ما عرضته الفضائيات من صور وفيديوهات لأطفال يحملون السلاح ويرتدون لباس المقاتلين، أو صور أخرى تُظهر مشاركة أحد الأطفال في قتل أشخاص مقيدي الأيدي والأرجل، صور لأطفال بعيدين كل البُعد عن براءة الطفولة ونقاء سريرتها والحب الذي يغلّف فضاءاتها، صور تحمل في طياتها كل معاني العنف والقسوة والكراهية التي تشمئّز النفس من رؤيتها، ويضطرب المنطق من شناعتها، من حيث هي تخريب وقتل متعمّد لكل معاني الطفولة والنقاء والطهر، مما يؤدي إلى خلق جيل من العدوانيين، إن لم نقل: المجرمين البعيدين عن الحياة العاطفية، والذين لا يقيمون وزناً للقيم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية القائمة على التفاعل والتعاطف الإنساني. لذا حثّت اتفاقية حقوق الطفل على ضرورة احترام قواعد القانون الإنساني الدولي، إذ جاء في المادة 38- 39 منها ما يلي:

المادة 38

1- تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل، وأن تضمن احترام هذه القواعد.

2- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكاً مباشراً في الحرب.

3- تمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة. وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعى لإعطاء الأوّلية لمن هم أكبر سناً.

4- تتخذ الدول الأطراف، وفقاً لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح.

المادة39

تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة أو التعذيب، أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة. ويجرى هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته.

كما جاء في إعلان مراكش عام 2010 الذي انعقد تحت شعار: (تعزيز الشراكة العربية للارتقاء بأوضاع الطفولة) ما يلي:

(تطوير الآليات العربية لتعمل على مواجهة التأثير السلبي للنزاعات المسلحة على الأطفال، وبضمن ذلك اتخاذ إجراءات الرصد والتوثيق والدراسة والمتابعة وتفعيل دور المؤسسات العربية العاملة في المجالات ذات الصلة، وعقد المنتديات العلمية وحلقات التدريب لتعزيز دور المجتمع المدني في إعادة تأهيل ودمج هؤلاء الأطفال. مع الإسراع بإنشاء آلية عربية للإغاثة ضماناً لحصول الأطفال المتضررين من الكوارث والأزمات وأسرهم على المساعدات اللازمة لاستئناف حياتهم العادية).

فهل يعي المسؤولون عن هذه العمليات مدى فظاعة الفعل الجرمي الذي يقدمون عليه بإشراك الأطفال، إن كان استعراضياً أو فعلياً في عملياتهم تلك؟ ثمّ، ألا يجب على المعنيين بحقوق ورعاية الطفل، وكذلك المؤسسات الدولية ذات الصلة، أن يقفوا في وجه تلك الممارسات بحق الطفولة والأطفال ليس فقط في سورية، وإنما في جميع المناطق والبلدان التي تشهد ممارسات مشابهة، من خلال محاسبة ومحاكمة القائمين عليها وفق القانون الدولي المتعلق بحماية الأطفال والنساء زمن الحرب.

العدد 1105 - 01/5/2024