الدستور القانون الأساسي للدولة

يعد الدستور أهم المكونات الأساسية في أنظمة الحكم، إذ تخضع الدولة والمجتمع لأحكامه. وهو عقد اجتماعي بين شرائح المجتمع كلها تتفق على قواسم مشتركة.

يتميز الدستور بأنه فوق القوانين، فجميع القوانين الأخرى في البلاد ترتكز عليه، ويجب أن تنسجم نصوصها مع نصوص القواعد الدستورية، أي أن كل قانون لا بد أن يجد له غطاء أو مرجعية دستورية.

الوثيقة الدستورية

تنظم هيكلية الدولة، وتبين شكل النظام السياسي القائم وطبيعته: برلماني، رئاسي، دستوري، ملكي إلخ. والمتمثل بالأسس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد.

يعدل الدستور بعدة طرق حسب ما ينص عليه.. إما عن طريق المؤسسة التشريعية أو بطريق الاستفتاء.

 تشكل محكمة دستورية للنظر في دستورية القوانين، وفي المخالفات الدستورية التي تحصل.

مضمون الدستور ومهامه:

يتضمن الدستور عادة تعريف الدولة والمواطنة، ويشير إلى مرجعية الأمة والمساواة بين المواطنين، وحقوق المواطن وواجباتها، بعيداً عن التمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق.

ويجب مراعاة ثلاثة أمور أساسية في الدستور:

1 الممارسة الديمقراطية، باعتبار قيام وفاق اجتماعي واستمراره كاف لتأسيس نظام ديمقراطي مستمر.

2 تنظيم سلطات الدولة وتحديد اختصاصات كل منها.

3 كفالة الحقوق والحريات العامة للأفراد. والدساتير نوعان، إذا صح التعبير: مرن وجامد.

الأول يعدل بسهولة، والثاني وفق شروط محددة وصعبة حتى في حال تعديل بعض المواد الواردة فيه.

تاريخ القانون الدستوري ومجازيته

بدأ الشكل الأول لمجازية القانون الدستوري في بريطانيا بوثيقة تحمل صيغة شبه قانونية سميت في حينه ب Majnakarta (ماجناكارتا)، وذلك في أول القرن الثالث عشر (عام 1215) عندما كان الملك في حينه مطلق الصلاحيات حتى على اللوردات، يقرر، يصادر، يحجز، يضع الرسوم..إلخ، فثار عليه اللوردات، ووضعوا (الماجناكارتا) لتنظيم العلاقة بين الملك واللوردات متضمنة الحقوق والواجبات وتحديد الصلاحيات، وقد خضعت (الماجنا كارتا) فيما بعد لتعديلات كثيرة في المراحل اللاحقة، حتى وضع الدستور القانوني.

أول دستور معاصر صدر في أمريكا في أواخر القرن الثامن عشر، بعد ثورة الاستقلال عام 1779  وقد تضمن حين صدوره عشرة بنود فقط في فترات زمنية متباعدة.

وتتالى فيما بعد صدور الدساتير. الدستور الفرنسي صدر بعد الثورة الفرنسية عام ،1789 وأصبح الدستور فيما بعد ملتصقاً بالدولة وتطورها.

حركات التنوير الدستورية

ساهمت الحركات التنويرية الدستورية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في أوربا مساهمة كبيرة في ظهور الدساتير التي اعتمدت أساساً على القانون الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، إذ أكد مفكرو تلك الحركات وفلاسفتها على الربط بين وجود الدستور والأنظمة الديمقراطية، وأن الدولة الديمقراطية هي التي تملك دستوراً، وبخلاف ذلك لا يمكن تسميتها دولة ديمقراطية.

واستمر العديد من الدول بإصدار دساتيرها حتى الدول غير القانونية. وقامت أعتى النظم الديكتاتورية التي عرفها التاريخ البشري كالنازية والفاشية اللتين ظهرتا في ألمانيا وإيطاليا رغم وجود دستور لكلتا الدولتين. كما قامت أنظمة معادية للديمقراطية في كل من النمسا في ظل دستورها عام 1934 وفي إمبراطورية أثيوبيا التي كانت دولة ملكية مطلقة تستند في حكمها على نظرية (الحق الإلهي في الحكم) رغم وجود دستورها الصادر عام 1955. ولدينا في البلدان النامية ومن ضمنها دول الوطن العربي أكثر من مثال يدحض الادعاءات التي تقول إن الديمقراطية ودولة القانون تقترن بوجود الدستور.

ففي أكثر البلدان التي لها دساتيرها لا تطبق الرقابة السياسية والقضائية على الدساتير، مما يؤدي إلى عدم تفعيل الدستور وتطبيقه، ومما يحول دون اكتمال بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.

وفي حالات أخرى تجري تجاوزات كبيرة على الدستور وتترك بعض مواده معلقة وخاصة في حال تداخل صلاحيات السلطات الثلاث ومهامها، وتفسير بعض مواد الدستور، حسب مصالح بعض المسؤولين وتوجهاتهم، ومن هنا أهمية المراقبة المسؤولة على كيفية تنفيذ بنود الدستور.

الفقه الدستوري الحديث

ويلاحظ هنا أن الفقه الدستوري الحديث، بخلاف الفقه الدستوري التقليدي الذي كان سائداً والذي ربط بين الدستور والأنظمة الديمقراطية الحرة. إذ يرى مفكرو الفقه الدستوري الحديث، أن الدستور يمكن أن يوجد في جميع الدول بغض النظر عن شكل وطبيعة النظام السياسي فيها سواء كان ذلك النظام ملكياً أو جمهورياً أو مطلقاً. فالدستور ليس مثالياً ولا هو نموذج موحّد في جميع الدول الديمقراطية على الرغم من اعتماده على المبادئ الديمقراطية. لأنه يمكن للنظام السياسي استخدام الدستور غطاء لاستبداده وانتهاكاته لحقوق المواطنين.

ومن أجل تطبيق فعلي للدستور لا بد من إتاحة الحريات الديمقراطية: حرية الرأي، حرية الانتخاب، والمساواة بين المواطنين.

ومن هنا يمكن القول إن الدستور كوثيقة قانونية أساسية للدولة، هي أيضاً أداة للتوفيق بين السلطة والحرية أو بين الحاكم والمحكوم.

الدساتير في البلدان العربية  تونس الرائدة

بعد عصر النهضة وقبيل الاستقلال وضعت بعض الدساتير في بعض البلدان العربية، وقد وضع أول دستور عربي في تونس عام 1861  وكان وراء وضعه خير الدين التونسي النهضوي الكبير المعروف.

وكان صدور الدستور التونسي واحداً من أبرز الأحداث المسجلة في التاريخ السياسي الحديث في تونس وفي العالم العربي. إذ يعدّ أول دستور عربي يساهم في تكريس العديد من المبادئ السياسية والاجتماعية الهامة. وكان منطلقاً ومرجعياً فكرياً لنضال (الحزب الحر الدستوري التونسي) الذي اقترن بالدستور وقاد معركة تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، إذ نادى زعماء هذا الحزب للعمل بموجب دستور عام 1861 وبعث البرلمان التونسي، واستمر وضع الدساتير العربية بعد حصول هذه البلدان على استقلالها.

ومن الملاحظ أن الحكام العرب يتجاوزون الدساتير، خاصة في مجال فصل السلطات والمساواة وتكافؤ الفرص، ولا يعطون صلاحيات جدية للمحاكم الدستورية في هذه البلدان، فتبقى صلاحياتها نظرية.

وأخيراً لا بد من القول:

إن دولة القانون لا يمكن أن تكون إلا دولة ديمقراطية، فهي تضمن القضاء العادل المستقل،هذه العلاقة الجدلية بين الديمقراطية ودولة القانون يضمنها الدستور، فالسلطة القضائية يمكن أن يكون دورها أوسع وأقوى في وجه السلطتين التشريعية والتنفيذية.

الأولى عن طريق الرقابة على دستورية القوانين، والثانية مراقبة مشروعة للأعمال الإدارية.

يقول مونتيسكيو: (السلطة توقف السلطة). مشيراً إلى أنه: (إذا اجتمعت سلطتان أو أكثر في يد واحدة انعدمت الحرية. ولو كانت في يد الشعب ذاته)…

وعلى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني:

1 التوعية بأهمية وجود الدستور وضرورة مراقبة تطبيقه وسيادة القانون، لأن أهم مافي الدستور تطبيق بنوده.

2 تنمية الوعي القانوني الدستوري الذي يتمثل بمعرفة المواطن لحقوقه وواجباته، وإدراك حقوقه الدستورية، ومعرفة القواعد التي تحكم علاقته بالدولة ومع الغير، وللإعلام دوره في نشر هذا الوعي.

3 مفيد أيضاً أن تكون في برامج التعليم حصة خاصة لدراسة مواد الدستور وشرحها.

العدد 1104 - 24/4/2024