آل سعود… والوهابية: حقائق التاريخ.. ووقائع الحاضر – كيانان.. ومشروع واحد (1من2)

من يقرأ مذكرات الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن، أول رئيس دولة للكيان الإسرائيلي، سيجد في نصها الصريح وبين سطورها الكثير مماهو مسكوت عنه في تاريخ مملكة آل سعود، أو بالأصح (مملكة الفضائح)  تبعاً لتسمية المناضل الشهيد ابن الجزيرة العربية عبد الرحمن ناصر الشمراني  وسبب السكوت كما يقول باحث عربي (هو الفقر العربي والمال السعودي الذي أخرس الألسن)، إضافة إلى الخوف من ابتزاز شيوخ الوهابية وفتاواهم، وجرائمهم، وأتباعهم ومأجوريهم، الموزعين في شتى بقاع الوطن العربي والعالم الإسلامي.

حاييم وايزمن يكشف المستور

يقول حاييم وايزمن في مذكراته الموسومة بعنوان (التجربة والخطأ) –Trial and Error )، النسخة الإنكليزية الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1949(ط،1 مؤسسة وايزمن): إن إنشاء الكيان السعودي هومشروع بريطانيا الأول، أما المشروع الثاني من بعده فهو إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته، ويقول إنه في 11/3/،1942 وفي أثناء استعداده للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ذهب لتوديع السير جون مارتن سكرتير تشرشل الخاص في مقر مجلس الوزراء البريطاني بلندن، فقال له تشرشل ودون مقدمات: ((أريدك أن تعلم (ياسيد وايزمن) أنني وضعت لكم مشروعاً وهو لاينفذ إلا بعد نهاية الحرب(العالمية الثانية)، إنني أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق، على شرط أن يتفق معكم أولاً، ومتى تم هذا فعليكم أن تأخذوا منه ماتريدون أخذه، وليس من شك في أننا سنساعدكم في هذا، وعليك أن تكتم هذا السر، ولكن انقله إلى روزفلت، وليس هناك شيء يستحيل تحقيقه حين أعمل لتحقيقه أنا ورزفلت))(حاييم وايزمن، التجربة والخطأ، واشنطن، ط،1 ،1949 الفصل 41: America at War ، ص 427).

وفي تعقيبه على ذلك يقول دوغلاس ريد: لقد قام وايزمن بتسليم محضر حديثه السرّي هذا للسكرتاريا السياسية، طالباً إليها ضرورة إبلاغ اللجنة التنفيذية للصهيونية المحضر المذكور في حال ماإذا حدث معه أي طارىء، وخشية من حدوث شيء ما معه قام وايزمن بتثبيت نص هذه المحادثة السرية بينه وبين تشرشل في مذكراته المشار إليها، والتي طبعت مرات كثيرة في عدد من العواصم العالمية وترجمت إلى لغات عديدة بدءاً من عام 1950.ويقول ريد: إذا كان تشرشل ينتظر فعلاً، أن حاييم وايزمن سيساعد أحداً ما للجلوس على (عرش الشرق الأوسط) فإنه لاشك مخطىء بشدة، لأن الصهيونية لن تقبل أن يتسيد هذا العرش أحد غيرها) (دوغلاس ريد، جدل حول صهيون: المسألة اليهودية في 2500 عام، جوهانسبرغ، ،1986 ص 583-الترجمة الروسية).

الملك فيصل يحث أمريكا على تحطيم مصر وتمزيق سورية والاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة

استطاع آل سعود منذ ستينيات القرن الماضي، الحافلة بالصراع والتنافس السعودي-المصري أن يحولوا الدين ممثلاً بالعقيدة الوهابية إلى مطية تخدم مصالحهم السياسية-الدنيوية، وخصوصاً في مايتعلق بتوجيه مشايخ النفط والغاز لتكفير الأنظمة القومية، وعلى رأسها نظام جمال عبد الناصر الذي دوّخ الغرب، ونظام البعث التقدمي العروبي في سورية، الشوكة في وجه الصهيونية والرجعية العربية والاستعمار العالمي، (فكان الغرب يرعى كيانين مصطنعين لهما الأهمية نفسها بالنسبة للمصالح الغربية، هما الكيان السعودي-الوهابي، والكيان الصهيوني العنصري في فلسطين المحتلة.

ولهذا لانستغرب سعي آل سعود الحثيث بكل ماأوتوا من قوة لتدميروتحطيم الدول العربية المعادية للكيان الصهيوني، وقد أعربوا في رسائلهم السرية واجتماعاتهم المغلقة مع قادة الغرب عن رغبتهم الشديدة في بقاء (إسرائيل) قوية عدوانية قادرة على إلحاق الأذى بالدول العربية (المزعجة) للكيان السعودي من جهة، وإضعاف قوة هذه الدول وتحطيمها لئلا تتفرغ لمواجهة (إسرائيل) واستراتيجتها التوسعية الخطيرة، أو دحرها لأن في هزيمتها هزيمة كيان آل سعود نفسه، من جهة أخرى.ويكفي أن نلفت أنظار القراء الأكارم إلى نص رسالة الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز إلى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون قبل نصف عام من عدوان ،1967 ولنقارن ماقامت به (إسرائيل) في هذا العدوان ونتائجه، وما جاء في مناشدة الملك فيصل للرئيس الأمريكي جونسون.مع الإشارة إلى أن الرسالة نشرت في عدد من المصادر العربية والأجنبية المتطابقة، بدءاً من أواسط سبعينيات القرن الماضي، ونوردها هنا كما جاءت في كتاب حمدان حمدان(عقود من الخيبات، دار بيسان للنشروالتوزيع في بيروت، ط،1 ،1995 ص 489-491).

 وفي مايلي نص الرسالة:

تقول الرسالة التي بعثها الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود إلى الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، برقم 342/9 م ز س(من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودي)تاريخ 15 رمضان 1386 ه الموافق ل27 /12/1966 م، مايلي:

(…من كل ماتقدم يافخامة الرئيس، ومماعرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً، وأن هذا العدو إن تُرك يحرض ويدعم الأعداء عسكرياً وإعلامياً، فلن يأتي عام 1970 -كما قال الخبير في إدارتكم السيد كيرميت روزفلت- وعرشنا ومصالحنا في الوجود. لذلك فإنني أبارك، ماسبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا، أن اقترحوه، لأتقدم بالاقتراحات التالية:

– أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر، لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدّة طويلة لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد علي وعبد الناصر في وحدة عربية.بذلك نعطي لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب، بل وفي البلاد العربية، ومن ثم بعدها، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية اقتداء بالقول (ارحموا شرير قوم ذل)، وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة في الإعلام.

– سورية هي الثانية التي لايجب أن تسلم من هذا الهجوم، مع اقتطاع أجزاء من أراضيها، كيلا تتفرغ هي الأخرى فتندفع لسدّ الفراغ بعد سقوط مصر.

– لابد أيضاً من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة، كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وحتى لاتستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة، كما يسهل توطين الباقي في الدول العربية.

– نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البرازاني شمال العراق، بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أي حكم في بغداد يريد أن ينادي بالوحدة العربية شمال مملكتنا في أرض العراق سواء في الحاضرأوالمستقبل.

علماً أننا بدأنا منذ العام الماضي (1965) بإمداد البرازاني بالمال والسلاح من داخل العراق، أو عن طريق تركيا وإيران.

يافخامة الرئيس:

إنكم ونحن متضامنين جميعاً سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق، بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها، دوام البقاء أو عدمه.

أخيراً، أنتهز هذه الفرصة لأجدد الإعراب لفخامتكم عمّا أرجوه لكم من عزة، وللولايات المتحدة من نصر وسؤدد، ولمستقبل علاقتنا ببعض من نمو وارتباط أوثق وازدهار.

المخلص فيصل بن عبدالعزيز

ملك المملكة العربية السعودية). انتهى نص الرسالة.

  وفي العدد المقبل نقدّم للسادة القراء شهادات موثوقة لبعض الشخصيات العربية المطّلعة على وقائع هذه المسألة الخطيرة.

العدد 1105 - 01/5/2024