قصة أمل معلن

في إحدى الأمسيات الدمشقية وضمن أحد الأنشطة الثقافية التي تجمع الشباب تبث فيهم الحياة وتسلحهم بالأمل والوعي، كان المشاركون يتناقشون برواية غابرييل غارسيا ماركيز (قصة موت معلن) التي جرى اختيارها لإسقاطاتها على الواقع السوري، وتكريماً لمؤلفها الذي كان قد مضى أسبوع على رحيله، وكانت أكثر المشاركين حماسة فتاة شقراء ذات ابتسامة معبرة وحضور لا يقل جمالاً عن تلك الابتسامة، وبعد أن أدلت برأيها بما يخص الرواية، أخرجت من حقيبتها ورقة مطوية فردتها بعناية وبدأت تقرأ فيها خواطر كانت قد كتبتها بوحي من ماركيز، وهي تتحدث فيها عن الموت الذي كان معلناً وكنا نتجاهله ولا نعطيه أهمية، إلى أن أمسك بتلابيبنا وبدأ يحتل البيوت والطرقات، واستمرت الممثلة المسرحية الشابة التي تعشق المسرح بسرد تداعيات تلك الفكرة بحماس يشوبه بعض الحزن، بسبب عدم جدوى الكلام بعد فوات الأوان إلى أن انتهت من القراءة،  ثم أعادت طي الورقة وعادت هي إلى ابتسامتها.

يوم الأربعاء الماضي كنا نحاول التواصل مع سوزان سلمان لنحضّر نشاطاً مسرحياً ضمن الفعالية ذاتها خاصة أنها كانت قد أظهرت حماساً كبيراً لتقديم شيء يغني هذا النشاط ويعطيه الاستمرارية، لكن ما حصل كان مسرحية من نوع آخر كنا أبطالها وكانت من إخراج سوزي (و هو الاسم الذي كانت تفضله).

قرابة الساعة الثالثة من اليوم ذاته كتبت سوزي على صفحتها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: (بسم الله الرحمن الرحيم * ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب * صدق الله العظيم) وبعد ذلك بدقائق كتبت الممثلة التي كانت مقلة بهذه الأمور: (يارب سترك! كنت أذكر الله منذ قليل لا أدري لماذا.. نزلت قذيفة قدّام بيتي يارب سترك)! وتوالت التعليقات التي تهنئها بالسلامة وتطلب منها الحذر والانتباه للأخطار المحيقة بالمنطقة، لكن بعض الأصدقاء بدؤوا يضعون تعليقات تستفسر عن عدم إمكانية التواصل معها على هاتفها الخلوي الذي كان قد أصبح خارج التغطية، إلى أن تمالك أحد أقربائها نفسه وكتب : (سوزي استشهدت.. ادعوا لها الله يرحمها) ثم ران صمت طويل فرضته العيون غير المصدقة، والتي كانت تحاول منع الدموع المحتشدة من التدفق. لعل الخبر غير دقيق أو لا أساس له من الصحة، وبينما كانت تلك العيون تنتظر تكذيباً للخبر كانت الهواتف ترن ووسائل الإعلام تصدح وكأنها تقول مع الشاعر : (أيتها النفس اجملي جزعاً.. إن الذي تخشين قد وقعا) ومن ثم امتلأت صفحات الفيسبوك بصور سوزي التي كانت تبث الفرح بابتسامتها النابعة من القلب وتفرض الأمل فرضاً على الناس المثقلة بالهموم وكأنها تحيي الجمهور وتشكرهم وتعلن انتهاء المسرحية واستمرار الحياة بكثير من الأمل. هكذا هم السوريون، يقبض الموت على أجسادهم لكن أرواحهم تبقى ضاحكة مفعمة بالحياة تسخر مما يحاول الموت فعله.

الرحمة لروح سوزان السلمان والخلود لابتسامتها المزهرة!

العدد 1105 - 01/5/2024