ماحقيقة «نادي السفاري» الاستخباراتي؟!

عندما نسمع عبارة (نادي سفاري) يقفز إلى أذهاننا فوراً تجمع لهواة وعشاق رحلات الصيد في مجاهل إفريقيا أو البراري والجبال والغابات غير المكتشفة بعد.. إلخ، لكن (نادي السفاري)، الذي يعنينا إزاحة الغطاء عن أبرز خفاياه وأسراره وأنشطته الخطيرة، في هذا المقال، هو (ناد) من نوع خاص، يدعى (نادي السفاري) بأل التعريف ودلالة الاسم المحدد. والمقصود به ذلك التحالف الاستخباراتي-العسكري-السرّي، الذي أقيم في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي بين عدد من الدول في المنطقة بمبادرة من فرنسا وتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية، تحت عنوان (وقف المد الشيوعي) في قارة إفريقيا بشكل خاص. ومايدعم هذا التوجه أن أول من اقترح رسمياً فكرة إقامة هذا النادي هو فرنسا، الدولة التي استعمرت أجزاء كبيرة من إفريقيا، والتي ماتزال معنية بشؤون هذه القارة، سواء من ناحية نهب ثرواتها الضخمة، أو لجهة الحرص الفرنسي (المؤسساتي)على استمرار هيمنتها السياسية والثقافية (في إطار مايسمى الفرانكوفونية)، إضافة إلى وجود مصر والمغرب في هذا النادي(الحلف)ومالهما من ثقل وتأثير كبيرين في إفريقيا (1).

وللحقيقة، فإن وسائل الإعلام السوفييتية المختلفة، إضافة إلى عدد من الباحثين السوفييت تنبهوا مبكراً إلى طبيعة هذا الحلف ودوره التخريبي، والمهمات الخطيرة الموكولة إليه، وصدرت عشرات الدراسات والتحليلات والتعليقات بشأنه بعد إنشائه مباشرة، وقد ركزت على عامل مهم في إقامة (نادي السفاري)، يتمثل في افتضاح كثير من الأعمال القذرة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكيةCIA) ) في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، مادفع الإدارة الأمريكية إلى الطلب من الدول الاستعمارية الحليفة وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا، بتولي ملفات المخابرات المركزية الأمريكية في القارات المذكورة بأسماء وعناوين مختلفة، والقيام بتنسيق أعمالها وأنشطتها مع (الدول الصديقة) أو الحليفة (التابعة)في هذه المناطق، وتحريك الفوضى والاضطرابات في مجتمعات معينة، في موازاة صد أي مدّ أو نشاط ثوري يساري وإجهاضه، سواء في (الدول الصديقة) (للغرب) أو الدول (التابعة للمعسكر الشيوعي) كما يزعمون(2).

لكن كل ماكان يتحدث به الباحثون والخبراء والمفكرون السوفييت وكل ماكانت تبثه وسائل الإعلام السوفييتية من تقارير موثقة في هذا الإطار، وإلى قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 كان يواجه إما بالتكذيب والسخرية، أو يتم تصنيفه ضمن الدعاية (البروباغاندا) السوفييتية –  الشيوعية … إلخ.

ليس ذلك فقط، بل إن الجنرال نعمة الله ناصري «رئيس جهاز (السافاك الإيراني) كان مسؤولاً ذات مرة عن توزيع تقارير حول نشاطات النادي على أوسع نطاق (لإضفاء لمسة مسرحية أوبرالية مدوية عن أنشطة النادي وعملياته كنوع من العمل الدعائي»، فقد سافر بعد أحد اجتماعات النادي في (الدار البيضاء) للقاء زوجته في مدينة (كان) الفرنسية، لكنه نسي حقيبته التي تحوي كل الوثائق السرية في مطار (الدار البيضاء). ولم تظهر الحقيبة على الإطلاق، ومن الممكن الافتراض أنها وقعت في أيدي من يهتمون بمثل هذه الوثائق (ويمكن القول باطمئنان إنها وقعت في النهاية في يد السوفييت). وقد اكتشف في مابعد أن أحد مساعدي (الكونت دي مارنش) كان عميلاً للمخابرات السوفييتية(كي. جي. بي)، يقوم بتزويدها بالمعلومات والأسرار أولاً بأول، وقد تمت تصفيته، لكن بعد فوات الأوان طبعاً(3).

وبعد قيام الثورة الإيرانية (في شباط 1979) التي نجحت في إسقاط نظام الشاه العميل، والاستيلاء على مقر (السافاك) (الاستخبارات الإيرانية الشاهنشاهية)، تم العثور على نسخة من هذا الاتفاق الاستخباراتي في الأرشيف السري (للسافاك)، بدأ الحديث المكثف والموسع بشأن (نادي السفاري) وأهدافه وأعماله التجسسية-التخريبية المخزية، ونشر الصحفي والكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل في عام 1982 كتابه (مدافع آية الله:قصة إيران والثورة)، بشأن المقدمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للثورة، وحكم الشاه المطلق، ووظيفة (الشرطي الإقليمي) الذي كان مضطلعاً بها، ودور (السافاك) في التصفيات السياسية والتخريب والتآمر مع الأجهزة الاستخباراتية الغربية، وعلى رأسها (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) والبريطانية والفرنسية(4).

يقول محمد حسنين هيكل بشأن إنشاء (نادي السفاري) الاستخباراتي: إنه (معالم تحالف جديد معاد للشيوعية). صمم أعضاؤه على أن يكونوا (أولياء أمور أنفسهم وليسوا عملاء لأمريكا) على أن هذه الرغبة الاستقلالية لم تثر استياء واشنطن بأي حال. فقد كان كيسنجر سعيداً للغاية بأن يرى أهدافه في إفريقيا تتحقق من خلال وكيل، وفي الواقع فإن هذا كان كفيلاً بحل كثير من المشاكل بالنسبة له. فعندما حاول التدخل أولاً في أنغولا بشكل مباشر أوقفه الكونغرس، أما الآن فتوجد جماعة لايتحكم فيها الكونغرس، وعلى استعداد لتمول نفسها بنفسها. كما كان دافيد روكفلر وبنك تشيس مانهاتن باستثماراتهم الضخمة في إفريقيا، واعين بالتحالف الجديد سعيدين بوجوده (5).

ويضيف هيكل:أنه بعد الاجتماع الأول الذي تم في السعودية ظهر إلى الوجود ما أطلق عليه (نادي السفاري)، وقد اختير هذا الاسم لأنه بدا للمشاركين في الاجتماع أن له نكهة خاصة تتلاءم مع روح إفريقيا وعالم المغامرات. ويعتقد أنه (كان من ابتكار رجل مرموق هو (الكونت كلود ألكسندر دي مارنش)، رئيس هيئة أمن الدولة الفرنسية ومكافحة التجسس(6).

ومع تحفظنا الكبير على أن هذا التحالف الاستخباراتي من (ابتكار) رئيس جهاز مكافحة التجسس الفرنسي، إلا أننا لانختلف على أن الموقع الرسمي لهذا المسؤول الفرنسي يمكنه من الاتصال بكل أولئك الذين يحضرون إلى باريس لشراء الأسلحة أو لبيع البترول أو لتنسيق شؤون المخابرات أو لخليط من الأغراض الثلاثة كما هو الحال في معظم الأحيان.

وكان من رأي (دي مارنش) أن يتحد (كل من يهمهم وقف المد الشيوعي)، لاتخاذ خطوات عملية مشتركة. وقد (اقتنعت) خمس حكومات بوجهة نظر الكونت، وهي فرنسا وإيران والسعودية ومصر والمغرب، وتمت محاولة للاتصال بالجزائر منذ البداية، لكن الرئيس هواري بو مدين لم يستجب للمحاولة ورفضها.

وتمت كتابة اتفاق بين الحكومات الخمس والتوقيع عليه أصولاً، فقام الشيخ كمال أدهم مدير المخابرات السعودية بالتوقيع نيابة عن السعودية، والجنرال نعمة الله ناصري رئيس (السافاك) عن إيران، ورئيس المخابرات المصرية (أعتقد أنه الفريق كمال حسن علي، الذي كان رئيساً للمخابرات المصرية من عام 1975 لغاية عام 1977) نيابة عن مصر، وأحمد الدليمي رئيس المخابرات المغربية نيابة عن المغرب. وقام الكونت دي مارنش نفسه بالتوقيع نيابة عن فرنسا(7). وقد جاء في مقدمة نص الاتفاق «الذي وجدت نسخة منه في أرشيف (السافاك)» مايلي: (لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في أنغولا وفي الأجزاء الأخرى من إفريقيا، أن القارة ستكون مسرحاً للحروب الثورية التي يحرض عليها ويديرها الاتحاد السوفييتي، الذي يقوم باستغلال الأفراد والتنظيمات التي تتحكم فيها الإيديولوجية الماركسية أو يتعاطفون معها)، وغير هذا من مسوغات وحجج ومزاعم معروفة. وتحدثت الاتفاقية بعد ذلك في أساليب وطرق (وقف التهديد السوفييتي.. والخطر الشيوعي)، مؤكدة أن (مشروع التصدي) لابد أن يكون (عالمياً في مفهومه) يتبعه مركز للعمليات مؤهل لتقييم مجريات الأمور في إفريقيا، والتعرف على مناطق الخطر، والتوجيه بطرق وأساليب التعامل معها. ويضم المركز ثلاثة أقسام هي: قسم للسكرتاريا لمتابعة الشؤون الجارية وقسم للتخطيط وقسم للعمليات. واختيرت القاهرة مقراً للمركز، بينما تكفلت فرنسا بتزويد المركز بالمعدات الفنية للاتصالات والأمن. وقد أعد للنادي مركز للاتصالات بباريس، ضم قاعة اجتماعات سرية ومركز اتصال دولي أسفل مطعم فاخر من مطاعم الدرجة الأولى، لكي يكون ستاراً لدخول وخروج الشخصيات المهمة بحرية وأمان (8).

أما رئاسة النادي/المركز فيتولاها ممثلو الدول الأعضاء بالتناوب في كل عام. واتفق على جدول زمني يتم بمقتضاه قيام النادي/المركز بحلول أول أيلول (سبتمبر) 1979 وتنتقل إليه هيئة موظفين بعد أسبوعين.

وعقد (نادي السفاري) عدة اجتماعات في السعودية وباريس وكذلك في مقر المركز بالقاهرة. وقد أنفقت مبالغ طائلة للحصول على مبنى المركز وملحقات له وفي إقامة شركات واجهة (للتمويه)، وفي تركيب الخطوط الساخنة والأجهزة الحساسة الأخرى وغير ذلك من وسائل تقنية(9).

الهوامش

(1) Safari Club – Wikipedia، the free encyclopedia، وانظر كذلك النسخة الروسية لـ(ويكيبيديا-الموسوعة الحرة)، المخابرات في العالم: (نادي السفاري)، (بعض أجهزة المخابرات العربية)، وانظر أيضاً:الدليل الموجز عن المخابرات السعودية:نشأتها وعلاقتها بالمخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات الباكستانية وغيرهما (من 1957-2012) (بالروسية).

وكذلك: موقع:Agentura. ru، مخابرات المملكة السعودية: تكوينها، مهماتها، علاقاتها الإقليمية والدولية، وأبرز قادتها (بالروسية)

(2) بعض المصادر الروسية: ن. ن. ياكوفليف، المخابرات المركزية الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي (موسكو:دار الحرس الفتي، 1979)، وهو يستند إلى حوالي 170 مصدراً في هذا المجال.

– العمليات الاستخباراتية الكبرى في زمن الحرب الباردة: (عملية البعوض والدب) (مركز أبحاث (سري للغاية) /موقع إلكتروني/.

– موقع (لكن): ألكسندر تيرينتيف، (تاريخ العمليات السرية للمخابرات المركزية الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي)، عدد 11 كانون الثاني 2014.

– المخابرات المركزية الأمريكية ودورها في الانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني الوطني الديمقراطي محمد مصدق في عام 1953 (مجموعة دراسات موثقة)/باللغة الروسية.

(3) انظر: محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله:قصة إيران والثورة (القاهرة:دار الشروق، ط،3 1983)، ص 154.

(4) المصدر نفسه، ص 149.

(5)، (6)، (7) المصدر نفسه، ص 150.

(8) موقع (المنتدى العربي للدفاع والتسليح): حرب الجواسيس والمخابرات، (نادي السفاري)

(9) محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله:قصة إيران والثورة، ص151.

العدد 1105 - 01/5/2024