أحلام تمّوزية

استعاد المواطنون بعض قواهم العقلية والرياضية، وتمنّوا أن تتحقق بنسبة زيادات الأجور والرواتب (50 في المئة، حسب الإشاعات التي يروّج لها منذ شهرين)، لكن الرفيق خلف المفتاح، عضو القيادة القطرية، طمأن المواطنين بأن يجمّدوا أحلامهم… فالزيادة إلى أشعار آخر…!  ومن كان يهتمّ بالأسطورة بدأ يراجع ويتذكر (أسطورة تمّوز)، خاصة أن شهر الصيام الفضيل يبدأ من أول شهر تموز.

وتذكَّر آخرون ممن غرقوا في البحث عن أسماء آلهة الخصب والخير والحياة والموت، أنَّ لـ (تمّوز) تسميات عدة. فـهو (دُموز) في الثقافة السومرية، و(أدونيس) في الثقافة الإغريقية وفي سورية وفلسطين. وفي الأدب الفارسي تمّوز يعادل (حاجي فيروز).. وأصحاب الذاكرة المتوقدة في التأويل والتفسير، سرعان ما طرقت نوافذ أحلامهم صورة (حاجي فيروز)، الذي يظهر في ليالي آخر كل سنة في ثوب أحمر ووجه أسود. وصمت أبو مصطفى الشهروري المهتمّ بالأسطورة ولم يُجب عن سؤال: ماذا يعني اللون الأحمر واللون الأسود؟

أما المثقف بعلم الأساطير أبو أحمد السهروري، فقال والابتسامة الأسطورية تتربع على ثغره التاريخي: إنَّ احمرار ثوبه يشير إلى إعادة العيش والحياة، واسوداد وجهه يشير إلى اسوداد أرض الأموات. وقد عاد من ديار الأموات حقيقة، لإجراء الحياة على الأرض في فصل الربيع!

وقال آخر من عباقرة قُرَّاء الشعر الأسطوري والمهتمين بالشعر الحديث. هناك قصيدة للشاعر بدر شاكر السّياب بعنوان (أنشودة المطر)، يلبس فيها المسيح ثوب تمّوز جاء فيها:

      بعدما أنزلوني سمعتُ الرياح

في نواح طويل تسفُّ النخيل

ويطمح أصحاب الأحلام التموزية، الذين ظهرت البشاشة على وجوههم قبل أسبوعين، بمناسبة انخفاض أسعار البطاطا والكوسا والباذنجان، وانساب الفرح كمياه الساقية في أرض منحدرة على خدودهم، آملين أن تموز يشفع لهم ويخلّصهم من جشع التجار الذين يتربصون لهم، وينتظرون حلول شهر رمضان بفارغ الصبر رغم ضيق حال حياة المواطنين، وذلك لتحقيق أحلامهم وزيادة مداخيلهم ومضاعفة أموالهم عشرات المرات، علماً أن ثقتهم وصلت إلى الحضيض بعد ما سمعوا عن المراقبة التموينية الفاشلة على الأسواق، وخاصة بعد أن قرؤوا خبراً مزعجاً جاء فيه: (أن على كل مراقب من وزارة التجارة الداخلية في دمشق زيارة نحو 60 محلاً كل يوم)… وهذا لن يتحقق أبداً..! وكيف الحال يا مدبّر الأحوال في شهر الخير والصيام..؟

لم يهتم جاري المتقاعد صاحب الراتب المحدود جداً بهذه الأحاديث، وعدَّها فذلكات تخيلية بنسبة ميّة بالميّة.. وسمعته يقول لابنه  بعد أن انفضَّ اللقاء أمام أبوابنا الشعبية في حارتنا العشوائية، في الوقت الذي طفح فيه مكيال الفرح ونحن لم نعطِ فرحتنا لأحد، حينما عاد التيار الكهربائي بعد ست ساعات من الانقطاع المستمر، قال له بصوت هشّ ضعيف مبطّن بالبحة: ألم تقرأ يا حبيبي ووحيد أمك وأبيك (النظرية القذافية) التي تشبه البطيخة، فهي خضراء من الخارج وحمراء من الداخل مثل ثوب حاجي فيروز.. ولا تزعل غداً سأشتري لك بطيخة لكن بشرط عليك أن تنفذه بحذافيره، وهو أن تقرأ النظرية الثورية،  فهي التي تفتح لك الشهية وتنير لك درب الحرية..

العدد 1104 - 24/4/2024