ندوة نظرية في براغ: تناقضات الرأسمالية المعاصرة

انعقدت في براغ في يومي 15-16 آذار 2014 ندوة نظرية سياسية دولية حول (تناقضات الرأسمالية المعاصرة والسعي إلى حلها بمساعدة الحروب) التي نظمتها لجنة براغ في الحزب الشيوعي في تشيكيا ومورافيا وشارك فيها أكثر من مئة ناشط بارز من الحزب الشيوعي في تشيكيا وموارفيا، وهيئات تحرير صحيفتي (هالونوفيني) و(ديالوغ) والأوساط الثقافية واليسارية. وشارك بنشاط في الندوة ممثلو أحزاب شيوعية أخرى، من النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وروسيا وبريطانيا وبولونيا. وقدم المضيفون في كواليس الندوة العديد من الكتب والمطبوعات الأخرى عن تاريخ الحركة العمالية والشيوعية التشيكية ومهامها الحالية. والجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي في تشيكيا وموارفيا حقق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نجاحاً مهماً ويشكل الآن الكتلة الثالثة من حيث عدد النواب. ارتبط موضوع الندوة بقوة بالأحداث الاقتصادية والسياسية الراهنة للرأسمالية العالمية التي تعاني أزمة عميقة، وتثير حروباً محلية وتجهز قواها لدفع العالم إلى حرب عالمية جديدة، وفيما يلي إجمال للآراء التي طرحت في هذه الندوة:

مع سقوط الاتحاد السوفييتي ودول (الاشتراكية الواقعية)، دخلت الرأسمالية في أوربا مرحلة النصر الإمبريالي التي انعكست في السيطرة الأمريكية. أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حارساً للنظام العالمي الجديد ما يعني عملياً استلام دور الشرطي العالمي. وفي الوقت نفسه حدث نوع من تقاسم الأدوار بين دول العالم الإمبريالي: تقود بريطانيا دول الكومنولث وتؤدب الدول الشعوب غير الذليلة في منطقة نفوذها، وتتموضع أيضاً كأقرب حليف للولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان وقبل ذلك في تمزيق يوغوسلافيا. وتطالب فرنسا بمنطقة في شمال ووسط إفريقيا وفي البحر الأبيض المتوسط، وفوق ذلك يريد (الديك) الفرنسي أن يلعب دوراً فاعلاً يحسب له حساب في الاتحاد الأوربي. وتلعب ألمانيا الموحدة دوراً متزايد الحجم في أوربا والعالم، وتهدف إلى فرض سيطرتها على الاتحاد الأوربي. دخل العالم الرأسمالي حقبة العولمة الرأسمالية التي لم تخضع لها الصين أمل وسند قوى السلم والتقدم والاشتراكية في العالم كله.

في الشرق الأقصى يتغير بوضوح ميزان القوى. تبرز جمهورية الصين الشعبية قوة جديدة ليس اقتصادياً فحسب بل كذلك عسكرياً، وتقدم نحو 18 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي محسوباً بالقوة الشرائية الفعلية لليوان. وتخرج اليابان بازدياد من تحت سيطرة الولايات المتحدة، وتصبح الهند قوة عظمى صاعدة. وهكذا أصبح العالم في مطلع القرن الحادي والعشرين، من جديد، متعدد الأقطاب، وأصبح الحلم الأمريكي بسيطرة طويلة الأمد جزءاً من الماضي. وتوجد شعوب أمريكا اللاتينية في حال غليان اجتماعي وصراع طبقي حاد. لم تعد كوبا وحدها بل توجد كذلك فنزويلا والإكوادور ونيكاراغوا، وبالدرجة الأولى البرازيل الكبيرة التي تستيقظ لدور جديد.

 

الرأسمالية تولد الاستغلال والأزمات والحروب

 الرأسمالية، وخصوصاً الإمبريالية، تعني الاستغلال والاضطهاد والتمايز الاجتماعي الكبير والبطالة، وقبل كل شيء الحروب، ويوثق ذلك تاريخ القرنين التاسع عشر والعشرين، وخصوصاً الحربان العالميتان اللتان أزهقتا أرواح مئة مليون ضحية، ما عدا الخسائر المادية الضخمة. تحتاج الرأسمالية باستمرار إلى (وقود) جديد من أجل وجودها. تعيش على العدوان على أراض جديدة وثرواتها الطبيعية والكتل البشرية المتعددة الملايين عبيداً حديثين، وقوة عاملة رخيصة وأسواق تصريف كبيرة تضمن للاحتكارات والشركات أرباحاً ضخمة.

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وحلّ معاهدة وارسو حصل الرأسمال الأوربي الغربي والأمريكي على إمكانات كبيرة للتوسع السياسي نحو الشرق، ما أعطاه فرصة للحصول على أرباح ضخمة تم تحقيقها عملياً من دون حرب، بمساعدة ألاعيب الرأسمال وأشكال أخرى من الاستعمار الجديد. وتحت شعارات زائفة تم إخضاع شعوب ودول بأكملها، ما ولد أرباحاً ضخمة للرأسمال الأجنبي وخدمة وشركائه المحليين.

حرمت الطبقة العاملة والشغيلة الآخرون من الملكية الاجتماعية، وتمت تصفية آلاف المعامل وفروع اقتصادية كاملة، وظهر ملايين العاطلين عن العمل، وتفاقم بؤس البروليتاريا والآفات الاجتماعية التي تحط من قدر الشعب. في الاتحاد الأوربي وحده يوجد رسمياً 27 مليون عاطل عن العمل (عام 2013) ولكن تنبغي في الحقيقة مضاعفة هذا الرقم نظراً لوجود بطالة واسعة غير مسجلة وجماعات وسطية مختلفة وتلاعبات إحصائية وبطالة مقنعة في الريف. وتشمل مساحة الفقر في الاتحاد الأوربي مئة مليون إنسان، ولا يقتصر ذلك على الجنوب الأضعف اقتصادياً. وتودّع أوربا مؤسسات الرعاية التابعة للدولة، وتزداد النفقات على التسلح وتقتطع برامج اجتماعية متتالية. تتعمق في أوربا، وعموماً في الرأسمالية، التناقضات، وتنفجر إضرابات عديدة، ويزداد غضب الطبقات المضطهدة. والمشكلة الأكبر على هذه الخلفية هي الأزمة الاقتصادية والمالية منذ عام 2008 التي كشفت نقاط الضعف القديمة والجديدة للرأسمالية وفقدان تصور لحلها سلمياً.

ولذلك تلجأ الرأسمالية والإمبريالية إلى الوسائل التقليدية، وهي الحروب. بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية استغلت الرأسمالية العالمية فرصة تاريخية ونفذت توسعاً سلمياً طوال عشرة أعوام، معززة موقعها الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي. ولكن مسيرتها الحربية بدأت منذ الأزمة في يوغوسلافيا وتمزيقها وقصفها في  عام 1999 وانفصال كوسوفو. وارتبط ذلك بتوسع منظمة حلف شمال الأطلسي وتحويله من قبل القوى المولعة بالحروب في الولايات المتحدة إلى حلف عالمي، ما يعني حروباً جديدة. في عام 2001 حدث العدوان على أفغانستان، وفي عام 2003 وباستخدام اتهامات زائفة، انقضّت الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق منتهكة بوحشية القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة لتدمّر بلداً عربياً مزدهراً، وفي عام 2012 اعتدى حلف شمال الأطلسي على ليبيا وفي العام الماضي دعم القوى الرجعية المتمردة في سورية، وتجري استعدادات متواصلة لغزو إيران وكوريا الديمقراطية ودول تقدمية أخرى. وفي عام 2013 ظهرت جذوة جديدة للحرب في أوكرانيا حيث نظمت القوى الفاشية والقومية المحافظة تمرداً ضد حكومة الرئيس يانوكوفيتش مستفيدة باستمرار من دعم الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، وبالدرجة الأولى القوى الرجعية في بولونيا. وفي شباط من العام الحالي استلمت السلطة، ما وضع أوكرانيا على حافة الحرب الأهلية والحرب مع روسيا. وهكذا تقترب الحرب إلى بوابة أوربا من الشرق.

العدد 1107 - 22/5/2024