نقوش فوق جدار الذاكرة

(1)

يبدو لي أن مشكلة السياسيين العرب أنهم لا يرون أبعد من أنوفهم…!! وذلك لا يعني أنهم مصابون بقصر النظر… لا… بل إنهم مصابون بعقدة الخوف من تحمّل المسؤولية… لذلك أعلنوا  بكل صفاقة  تبعيتهم للآخر ومنحوه حرية التفكير بدلاً عنهم، لإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تعترضهم. فإذا حدثت لهم مشكلة داخل بلادهم هرعوا إليه يسألونه عن حل لها. وإذا حدثت لهم مشكلة مع دولة أخرى، هرعوا إليه ليلتمسوا حلاً لها قبل أن تتفاقم ويعم البلاء… وهكذا.. مثلهم في ذلك مثل الزوج الفاشل.. فالزوج الفاشل إذا حدث خلاف بينه وبين حرمه المصون على المستويات كافة… الاقتصادية والتربوية والاجتماعية..إلخ وتطور الخلاف إلى نزاع… وتطور النزاع إلى التراشق بالألفاظ النابية، وتطور التراشق بالألفاظ النابية إلى التشابك بالأيدي، وأصبح البيت حلبة للمصارعة بدل أن يكون مكاناً للشعور بالأمن والأمان والاستقرار… حينئذ يهرع  وأقصد الزوج الفاشل غير الصارم وغير القادر على إيجاد حل للخلاف الذي حدث بينه وبين زوجته  إلى الآخر ليجد له حلا للخلاف، ولا غرابة أن يسمح للآخر بالتدخل في شؤونه وشجونه والطريف في الأمر أن الآخر يحاول حل الخلاف حسب مصلحته، فإذا اقتضت مصلحته أن يعود الوئام إلى البيت أعاده، وإلا فإنه يقوم بصب الزيت فوق النار، حينئذ لا يذهب الزوجان إلى البيت بل يذهبان إلى القاضي لطلب الطلاق… نعم الطلاق.

(2)

الوطن يذبح… النساء والشيوخ والأطفال يذبحون… الأشجار والأرصفة والحدائق تذبح.. الأوسمة والجنود والجنرالات يذبحون… الشمس والغيوم والمطر يذبح… الباعة المتجولون والفقراء والمتسولون يذبحون… الخيول والعصافير والمآذن تذبح…  لماذا… لماذا..؟

 هذا ما تريده الولايات المتحدة؟! لأن أبناء الوطن لم يضعوا أيديهم بأيدي الخونة واللصوص والمرتزقة والمارقين… ولم يتقنوا بعد فن الرضوخ والخنوع!

 

(3)

ها هنا تنام الضحية، ترتدي اسماً يليق بمجد القاتلين، ها هنا تنام  وحدها  فوق غبار الوقت عارية، لا غيوم تظللها..لا، ولا أرصفة تحتضن خطواتها نحو المقبرة. جرحها نازف، دمها لم يجف بعد، يمر الغرباء من قربها يقولون كلاماً بلا معنى، ويرحلون. ها هنا تنام الضحية، كل شيء من حولها هادئ، ماذا صنعت بها أيها القاتل..؟، كان بوسعك أن ترجمها بالأقحوان قبل أن تصعد الروح إلى السماء، كان بوسعك أن تسرق أحلامها وتتركها تمضي نحو الكارثة. ها هنا تنام الضحية، وسط أزيز الرصاص، وسط الرجال الشرسين. ها هنا تنام… لا ضوضاء… لا ضجيج… لا أثر لخيول الغزاة.. ها هنا تنام وحولها الياسمين يقول كلاماً غريباً عن الخبز والمطر.

العدد 1105 - 01/5/2024