مراقبون يتساءلون.. عن تحرك النفط والخبز؟

ذات يوم أكد وزير النفط سليمان العباس أنه سيتم الإعلان عن أسعار المازوت والفيول والبنزين للقطاع الخاص وبشكل أسبوعي، وفقاً لنشرة بلاتس ماركت (فوب إيطاليا)، وستعدل أسعار المشتقات النفطية أسبوعياً وفقاً لتغيرات سعر المشتقات وسعر الصرف.

وكان ذلك الحديث منتصف تشرين الأول الماضي، ومنذ ذلك الوقت حدثت العديد من التغيرات على أسعار النفط العالمي، غلب عليها طابع الانخفاض الحاد مسجلاً تراجعاً لم يسجله من قبل، ولم يصدر إلا تعديل واحد على أسعار البنزين فقط حيث انخفض سعره إلى 135 ليرة لليتر بدلاً من 140 ليرة أي خمس ليرات فقط، في حين أن المواطن لم يلمس هذا الانخفاض، لأن (الإكرامية) التي تأخذها المحطات تفوق 10 ليرات على كل ليتر.

وفي جلسة لوزير النفط أمام مجلس الشعب، أشار فيها إلى أنه سيكون هناك لجنة لمراقبة أسعار النفط أسبوعياً، (وعلى هذا الأساس قد يكون هناك تخفيض لأسعار بعض المشتقات).

والمتابع يجد أنه بنهاية شهر تشرين الأول من العام الجاري صدر قرار عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حددت أسعار مبيع المشتقات النفطية المازوت والفيول للقطاعات الخاصة في سورية وفقاً لنشرة أسعارها الصادرة بـ150 ليرة لليتر الواحد من المازوت و100 ألف ليرة لطن الفيول، فيما يبقى سعر ليتر المازوت بالنسبة لقطاعى النقل والتدفئة المنزلية 80 ليرة سورية، وعدلت الوزارة في نشرة أسعار المشتقات النفطية البنزين ليصبح سعر الليتر الواحد من مادة البنزين الممتاز 135 ليرة بدلاً من 140 ليرة في جميع المناطق التي يوجد فيها محطات ومراكز توزيع.

تحرك أسعار النفط العالمي

كانت هذه آخر نشرة تعديل لأسعار المشتقات النفطية، أي أن الشهر الماضي وهو تشرين الثاني لم يشهد أي تغيير في أسعار المشتقات النفطية، رغم التحرك الكبير في أسعارها عالمياً.. وهنا يسأل مراقبون: ألم تلاحظ اللجنة التي شكلت لمراقبة أسعار النفط أسبوعياً هذا التغيير العالمي في أسعار النفط لتقوم بتسعير المشتقات النفطية التي تباع في السوق المحلية وفقا للأسعار العالمية؟

ففي 26 تشرين الثاني الماضي سجلت أسعار الخام الأمريكي ومزيج برنت تراجعاً حاداً في العقود الآجلة، وواصل برنت خسائره منخفضاً 86 سنتاً إلى 77.47 دولار للبرميل، كما هبط الخام الأمريكي 74 سنتاً إلى 73.35 دولار للبرميل.

وتدرس منظمة أوبك  إمكانية الحد من الإنتاج، إلا أنه وفق متابعين فإن انخفاض الأسعار قد ألحق الضرر بالبلدان والشركات المنتجة للنفط، إلا أنه يشكل دفعاً لعدد كبير من البلدان التي تعتمد بشدة على واردات الطاقة، إذ إن انخفاض أسعار الطاقة يخفض تكلفة التصنيع والنقل، ما يخفض بدوره معدلات التضخم، وربما دفع إلى زيادة الناتج الاقتصادي العالمي، فهل حدث ذلك في سورية؟ يسأل مراقبون؟

وهنا لا بد من طرح سؤال: لماذا إلى الآن رغم تذبذب أسعار النفط العالمي لم تُصدر نشرة أسبوعية على أقل تقدير لتسعير المشتقات النفطية في السوق المحلية، رغم تأكيد وزير النفط أنها ستعد أسبوعياً وفقاً لتغيرات سعر المشتقات وسعر الصرف؟

ويرى مراقبون أن السوق المحلية حالياً تواجه أيضاً تذبذباً في أسعار الصرف، فقد ارتفع سعر الصرف إلى حدود 206 ليرات للدولار، وهذا ربما دفع الحكومة إلى تحمل أعباء مادية إضافية في استيراد المشتقات النفطية ورفع الفاتورة أكثر رغم انخفاض أسعار النفط عالمياً.

لكن بالمقابل فإن انخفاض أسعار النفط عالمياً يخفف من فاتورة الدعم المتبقي من قبل الحكومة للمشتقات النفطية، ويبقى عليها أن تضبط سعر الصرف بشكل أكثر في السوق المحلي لكي تجني ثمرات انخفاض أسعار النفط عالمياً، وإلا فإنها لن تستفيد كثيراً من هذا الانخفاض.

وأمل المراقبون أن تستعيد الحكومة سيطرتها على آبار النفط التي نهبت من قبل المسلحين في المناطق الشرقية، حيث أن بسط سيطرة الحكومة عليها من شأنه أن يخفف العبء المادي عن الميزانية العامة.

هل سترفع الحكومة أسعار الخبز مجدداً؟

وبالحديث عن الدعم الحكومي، فقد أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حسان صفية، قراراً مؤخراً، يقضي بتشكيل لجنة خاصة برئاسة مدير الأسعار في الوزارة، وفاء الغزي، وعضوية الجهات المعنية بإنتاج الخبز، خاصة المخابز الآلية والاحتياطية، ومهمة هذه اللجنة إعداد دراسة فعلية عن تكلفة رغيف الخبز التمويني في ظل الأوضاع الراهنة، وارتفاع أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعة الرغيف، لا سيما مادة المحروقات التي تضاعفت أسعارها وانعكست سلباً على إنتاج الرغيف، الأمر الذي زاد من تكلفة الدعم الذي تقدمه الحكومة لرغيف الخبز.

إذاً تشكيل لجنة لدراسة تكلفة رغيف الخبز التمويني (المدعوم)، وهذا مؤشر على أن الحكومة ربما تنوي أو تدرس رفع سعر الخبز مرة أخرى بعد أن رفعت سعر الربطة عشر ليرات وأصبحت بـ 25 ليرة.

وهنا يطرح مراقبون سؤالاً جوهرياً: هل تنوي الحكومة رفع أسعار الخبز مجدداً؟ وهي المادة الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها وتمس جميع فئات المجتمع؟ مشيرين أنه في حال رفعت أسعار الخبز مرة أخرى، فإن ذلك سيؤثر وبشكل كبير جداً على ذوي الدخل المحدود الذي بات دخلهم لا يكفي للثلث الأول من الشهر، مؤكدين أن على الحكومة أن تتأنى بإصدار هكذا قرار في حال أرادت، إذ أنه سيؤثر على طبقات المجتمع كله، وخاصة العاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود.

ولفت المراقبون إلى أن مادة الخبز هي الملجأ الوحيد لذوي الدخل المحدود باعتبارها مادة مشبعة، ومهما كان النسبة المراد رفعها على سعر ربطة الخبز صغير، فإنها ستؤثر على هذه الأسر، لأن الدخل يتآكل كل يوم نتيجة التضخم وتذبذب سعر الصرف وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وبالتالي أي تحريك لأسعار المواد المدعومة باتجاه الرفع سيؤثر حتماً على طبقات شاسعة من المجتمع.

ووجد المراقبون أنه من الضروري أن تقوم الحكومة بدعم ذوي الدخل المحدود بإجراء تعويض لهم عن تحرك الأسعار ورفع الدعم عن بعض الخدمات الحكومية، فالدعم من شأنه أن يبقي الطبقة المتوسطة في نشاطها قدر الإمكان، والتي تعتبر الطبقة المحركة اقتصادياً في أي اقتصاد عالمي. وبالطبع تقلص هذه الطبقة من شأنه أن يضعف الاقتصاد، لذا من الضرورة أن تعمل الحكومة على المحافظة على ما تبقى من هذه الطبقة ودفع معدلات البطالة إلى الانخفاض من خلال تيسير إجراءات التشغيل في القطاع الخاص و العام، وتوفير الظروف المناسبة لعودة إقلاع الورش والمعامل وغيرها من القطاعات الإنتاجية ودعمها قدر الإمكان كونها الحل الأمثل لخفض معدلات التضخم وتحريك عجلة الاقتصاد ولو بشكل بطيء.

العدد 1104 - 24/4/2024