على أبواب المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد.. الديمقراطية سمة الدولة العصرية

إن إنجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية في محاربة الإرهاب والتنظيمات المسلحة المتطرفة، وإعادة البناء، وتحرير الأرض المحتلة، والتحرر من تعسف الضغوط الإمبريالية، ومعالجة المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالفقر والتفاوت الفاحش في الثروة وقضايا البطالة والصحة والتعليم، وتحقيق التنمية المستدامة، يتطلب أوسع مشاركة شعبية من القوى الاجتماعية والسياسية، وانتظامها في أطر جبهوية ديمقراطية فاعلة ومناسبة للتصدي لهذه المهام بنجاح. فبلادنا بحاجة ماسة إلى ربط مهام التحرر والتقدم بالديمقراطية. والديمقراطية أمر حيوي وتؤثر على مجمل التطور الاقتصادي والاجتماعي اللاحق، ويرتبط بها أيضاً ازدهار الفكر والثقافة والإبداع.

إن المجتمع تحكمه علاقات بين طبقات وفئات ومصالح متنافسة أو متصارعة، مما يجعل الديمقراطية طريقة سليمة إيجابية لتنظيم تلك العلاقات تنظيماً عقلانياً يوجه الصراع والمنافسة إلى ما يخدم تقدم المجتمع، فأهم مرتكزات النهوض وبناء الدولة المستقلة العصرية هو تأمين مناخات ضرورية للديمقراطية، واعتمادها أساساً للعلاقات السياسية الصحيحة بين مختلف القوى السياسية والطبقية المتنوعة، ولإقامة تحالفاتها الوطنية والديمقراطية الملائمة. وإتاحة المجال لتمارس جميع مؤسسات المجتمع المدني، من مجالس منتخبة وأحزاب سياسية ونقابات، دورها السياسي والرقابي والمطلبي بحرية وفاعلية، فتساهم في التحول المجتمعي للأمام، ويتهيأ للمواطن التمتع بكامل حقوقه، مما يحد من قيام حركات متطرفة فاشية، ويضعف القائم منها، ويبعد شبح الحروب الأهلية، ويشكل ضمانة لنفي الاصطفافات اللاديمقراطية والولاءات ما قبل المدنية من الطائفية والعشائرية والأثنية..

فالحريات الديمقراطية للجماهير الشعبية شرط ضروري لنجاح نضالها ضد الضغوط الإمبريالية وضد قوى الاستغلال المرتبطة بها، ولتحقيق التقدم الاجتماعي  وصون الاستقلال والسيادة الوطنية.

لا يوجد صيغة للديمقراطية موحدة في العالم يمكن اعتمادها في كل البلدان. ولكن هناك بعض المبادئ العامة التي استخلصتها وراكمتها تجارب الشعوب في سياق نضالها ضد الاستبداد ومن أجل الحرية، وهي المتعلقة بالانتخابات الحرة، وتداول السلطة وفق صناديق الاقتراع، وفصل السلطات، واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون، واستقلال القضاء، وحرية الصحافة والتعبير.. ويمكن الاستئناس بتجارب الآخرين في صياغة النهج الخاص الملائم لبلادنا بعيداً عن التقليد، مع العمل على ترسيخ ثقافة مجتمعية ديمقراطية مصانة بالقانون. فالخصوصية هي الشكل الملموس الذي يظهر فيه القانون العام.

إن سيادة مبدأ المواطنة يكفل علاقات سويّة بين مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات على اختلاف انتماءاتهم، وسواء أكانوا أقلية أم أكثرية، مع توفر ضمانات وإمكانيات ممارسة كل مواطن حق المشاركة السياسية الفعالة وتولي المناصب العامة على أساس الكفاءة. ومن الطبيعي أن يكون من حق كل تيار سياسي أن يروّج لعقيدته، ويظهر مزاياها وأفضلياتها، وأن يدعو الناس إلى اعتناقها أو تأييدها، ولكن يغدو الأمر غير طبيعي عندما يدّعي أحدها تفرده باحتكار الحقيقية واعتبار ما عداه خاطئ، وصولاً إلى عدم الاعتراف بالرأي الآخر، ومن ثم عدم القبول بحق الآخر في الوجود.

وإذا افتقدت البلاد الأجواء الحرة لصراع الأفكار ولحرية الصحافة ولانتخابات عامة ديمقراطية ونزيهة، فإن العمل السياسي الجاد والرصين يفقد ركائزه الأساسية، وتفقد التحالفات مضمونها والحوار معناه، وتغدو الحياة السياسة جامدة أو شبه ميتة، تسود فيها القوى البيروقراطية والمداهنة وينتشر الفساد والإحباط.

إن مبدأي الخيار الديمقراطي ونبذ العنف يجب أن يكرسا في دستور البلاد وفي برامج وممارسة كل الأحزاب والمؤسسات المدنية وممارساتها، أما القوات المسلحة فمهمتها هي الدفاع عن حياض الوطن وصيانة النظام الديمقراطي. ومن الطبيعي أن خلق مناخ ديمقراطي يفترض وجود قوانين ديمقراطية تتيح حرية تنظيم الأحزاب والنقابات ومختلف المؤسسات الأهلية وتشجيعها ودعمها.

إن محاولة جعل الوطنية في مواجهة الديمقراطية فكرة تضليلية. لأن الديمقراطية تخدم القضية الوطنية بشكل أكثر كفاءة من الاستبداد في أي زمن، بينما لا يتعدى الخطاب الوطني للنظام الاستبدادي من أن يكون أداة لقمع الحريات  والديمقراطية. والاستبداد يؤسس لكل أنواع الفساد، ليس فقط في ممارسة السلطة وإدارتها، بل يساهم في إفساد الأخلاق والتربية، ويخرب التضامن المجتمعي، ويدمر الثقة بالقانون والقضاء وحتى بالعلم والتعليم.

إن قدرة أي نظام مستبد على كبت الجماهير والسيطرة عليها بالقوة لها عواقب ضارة تتخطى المكاسب السياسية التي تجلبها للنظام. فرغم أن حالة الفقر والشعور بالظلم والمهانة والتعدي على الحقوق لا تؤدي مباشرة لانفجار العنف، إلا أنها تؤدي للسخط، وتهيئ على مدى فترة أطول بشكل مؤكد إلى التمرد والثورة.

إن ضمان الحقوق والحريات للمواطنين لا يعني أي تساهل مع من يسيء إلى المجتمع، أو من يتجاوز حدود ممارسة الديمقراطية، التي تحددها المؤسسات الدستورية والقانونية، ومبادئ حقوق الإنسان، والأخلاقيات الاجتماعية ونواظمها.. وحتى العادات  والتقاليد والموروث القيمي الذي لا يصطدم مع العقل والأخلاق العامة للمجتمع.

إن النضال الذي تخوضه القوى الديمقراطية على المستوى الوطني يعزز الجهود التي تبذلها كل القوى التقدمية والديمقراطية في العالم لإضفاء الديمقراطية والتكافؤ على العلاقات الدولية، واحترام سيادة الأمم وحريتها في اختيار طريق تطورها.

العدد 1105 - 01/5/2024