مؤتمر لإعادة الإعمار بعنوان «دور المؤسسات العلمية والبحثية في إعادة الإعمار»

افتتح على مدرج جامعة دمشق أعمال المؤتمر الذي أقامته الهيئة العليا للبحث العلمي تحت عنوان (دور المؤسسات العلمية والبحثية في إعادة الأعمار) بمشاركة 20 جهة بحثية وعلمية حكومية وخاصة.

وناقش المؤتمر على مدار يومين عدداً من المحاور، أبرزها السياسات والبنى المؤسسية على المستوى الوطني والبيئة التشريعية والإدارية والمالية والبنى التحتية وبناء القدرات الاقتصادية والبشرية والاستفادة من تجارب عالمية رائدة في إعادة الأعمار، ومحاور أخرى تتعلق بقطاعات النقل والصحة والطاقة والمعلوماتية.

ويهدف المؤتمر إلى تبادل الأفكار والخبرات بين الباحثين ومناقشة سبل مساهمة المؤسسات العلمية والبحثية في مشروع إعادة الإعمار على المستوى الوطني وفي جميع القطاعات، والعمل على صياغة مقترحات علمية وتقانية تخدم عملية إعادة الإعمار بمفهومها العريض ليجري رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء.

وأشار الدكتور وائل الحلقي رئيس مجلس الوزراء في كلمة له خلال المؤتمر أن عملية إعادة الأعمار تأتي في إطار مشروع تنموي وطني متكامل وشامل (تشمل إعادة بناء روحي وثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي، وليس إعادة ما دمرته الحرب فحسب) معتبراً أنها من أهم (الموضوعات في هذه المرحلة الحساسة وتشترط التوافق المجتمعي وإرساء الأمن والاستقرار).

ولفت الحلقي إلى أهمية دور مؤسسات البحث العلمي، بصفتها شريكاً فاعلاً في إعادة الأعمار بما يسهم في تأسيس منهجية متكاملة لهذه العملية، داعياً إلى أن تركز نقاشات المؤتمر على تقديم أفكار ومقترحات علمية تساعد في التخفيف من المنعكسات السلبية للأزمة، وتخدم مشروع إعادة الأعمار، وتعزز التشاركية بين المؤسسات العلمية البحثية والجهات الحكومية والخاصة.

وبين الحلقي أنه انسجاماً مع مبدأ (الأولويات في إعادة الأعمار) سيتم البدء بالمناطق الجغرافية التي أعيد إليها الأمن والاستقرار وأصبحت قادرة على استيعاب عمليات إعادة الأعمار، كما هو الحال في مناطق كفرسوسة وبساتين الرازي بدمشق وحي بابا عمرو في حمص ،لتنطلق العملية إلى مناطق أخرى مشيراً إلى أن هذه الإجراءات ترافقت بتأطير التشريعات ذات العلاقة بذلك ولاسيما قانون التشاركية والاستثمار والإدارة المحلية لعام 2011 وقانون المنظمات غير الحكومية.

ودعا رئيس مجلس الوزراء (رجال الأعمال الموجودين داخل الوطن وخارجه) إلى المشاركة في إعادة الإعمار التي ستكون بمشاركة جميع أبنائها وشركاتها من القطاعين العام والخاص ودعم ومشاركة الشركات الصديقة من الدول التي وقفت إلى جانب سورية في محنتها.

شعبان: تكاليف.. وعقليات عمل

وبيّن الدكتور المهندس محمد شعبان من كلية الهندسة المدنية بجامعة البعث في ورقة عمل بعنوان (خصائص إدارة مشاريع إعادة الإعمار – الواقع والطموح) أن المبالغ الأولية بحسب خبراء محليين في سورية حول كلف إعادة الإعمار والتي قدرت بنحو 6000 مليار ليرة (6 تريليونات ليرة) في ذاك الوقت – من الممكن أن ترتفع فيما لو تم التعاطي مع عملية إعادة الإعمار بالآليات السابقة والتعاقدات والذهنيات الحالية. وذكر أنه من الصعب السيطرة على مكونات مشاريع إعادة الإعمار بسبب الكم الهائل من الموارد البشرية والمادية التي سوف تسهم في هذه العملية، في ظل حجم الدمار والخراب الكبير وصعوبة التقييم في الأضرار للمباني والبنى التحتية وغياب أنظمة التعاقدات في التقييم والإشراف والدراسات وغياب المنهجيات والبرامج الوظيفية في المشاريع السابقة ومشاكل الإدارة وغياب الضوابط العقدية، التي ينتج عنها الكثير من العيوب في المشاريع مثل ملاحق العقود ومحاضر التسوية مع ضعف الكادر وغياب التقنيات الخاصة بالمحاسبة وحل الخلافات والتنسيق بين مختلف الجهات التي تؤدي إلى استنزاف خزينة الدولة، متوقعاً تورم المشاكل وتضخمها فيما لو اعتمدت المنهجيات والآليات السابقة.

واقترح شعبان إنشاء مكتب مركزي يتبع لرئاسة مجلس الوزراء ويتألف من عدة وحدات ومكاتب محلية في المحافظات للمشاريع السكنية والبنى التحتية الخدمية والصناعية وضم كل المشاريع الأخرى إلى هذا المكتب، وتشكيل فريق عمل وتحديد أدوات هذا المكتب وآليات عمله بشكل دقيق.

واستعرض مدير الشركة العامة للبناء لؤي بركات في ورقة بعنوان (تطوير وحدات سكنية وخدمية مسبقة الصنع لسكن الإيواء وإعادة الإعمار) مشاريع الشركة المنجزة في هذا المجال في العديد من المناطق مثل عدرا العمالية وبرزة وضاحية قدسيا وضاحية الأسد بحرستا ومشاريع جديدة في الحرجلة وحسياء وتطوير العديد من النماذج في هذا المجال، وأشار إلى إنشاء مبان خدمية سريعة الإشادة وفندق محمول ووحدات صغيرة لسكن الكوارث والإيواء بكل المواصفات المطلوبة ومشاريع أخرى تؤمن الانسيابية في العمل والإنشاء والنقل والتركيب والتحميل باستخدام المواد الأولية المحلية.

العامة للدراسات: وضع معايير محلية للاستفادة من الأنقاض

وتضمنت الورقة البحثية المقدمة من الشركة العامة للدراسات والاستشارات مقترحات وحلول من أجل وضع معايير محلية للاستفادة من الركام الناتج عن أنقاض المباني من خلال إصدار الأنظمة والقوانين والتشريعات التي تحدد أساليب التعامل مع مخلفات البناء والهدم (إعادة الاستخدام-التدوير-الحد من التخلص منها في المقالب) ووضع استراتيجية وطنية وإعداد خطة العمل الوطني لتطوير البرامج الحكومية المدعومة لصناعة تدوير مخلفات البناء والهدم وتشجيع تأسيس شركات خاصة وعامة تقوم بإعادة تدوير مخلفات البناء والنشر والتوعية بفوائد عملية التدوير وإعداد الدراسات اللازمة لوضع تصور لحجم مخلفات الأبنية.

ودعا الدكتور أديب بطح إلى ضرورة استعمال خطوط نقل الطاقة الكهربائية وسطاً اقتصادياً وفعالاً للمراقبة وتوصيل البيانات والمعلومات والتحكم من خلال تصميم نظامPLC  بعد الأخذ بسمات نظام الطاقة الكهربائية الحالي، إذ تختلف أنظمة الطاقة في التكوين من بلد إلى آخر تبعاً لحالة كل من مصادر  الطاقة والأحمال، لافتاً إلى أنه من الضروري تجهيز نظام الشبكة بالمعدات المناسبة لما لها من تأثير على خصائص الاتصالات والجدوى الاقتصادية مع الأخذ في الاعتبار تكوين الشبكة وخصائصها والظروف التشغيلية وتوسيع نطاق تطبيقPLC  باستخدام شبكات البنية التحتية غير التواصلية مثل شبكات الطرق والسكك الحديدية وأنابيب الغاز ومحطات المياه مؤكداً زيادة مجالات تطبيقاتPLC  في المستقبل ستصبح التقانة الرئيسية التي تدعم المجتمع بجميع مكوناته.

كما أوصى المهندس رياض القابقلي بضرورة أن تقود الحكومة حملة لحشد المساعدات الفنية الدولية والدعم من الجهات المانحة للتوصل إلى الحلول المقبولة بيئياً للتخلص من النفايات وتنفيذ تدابير على الصعيد الوطني لتعزيز قدرة نظم إدارة النفايات على مواكبة الوضع وتدابير لتخزين النفايات الخطرة بشكل منفصل، وتباع تكنولوجيات مناسبة في معالجتها، الأمر الذي يستلزم تأمين الكادر الفني وتنظيم التدريب الملائم وتوفير المعدات اللازمة للعاملين في مواقع التخلص من الأنقاض بهدف حماية صحتهم وضمان سلامتهم وأمنهم وفقاً لأفضل الممارسات الدولية.

برامج محددة لإعادة البناء والتنمية

وعن دور المؤسسات العلمية والبحثية في التشخيص والرصد واقتراح السياسات في المسألة السكانية بيّن عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية الدكتور محمد أكرم القش أنه يفضل تنظيم عملية إعادة البناء والتنمية على شكل برامج محددة على المستوى الوطني (برامج قطاعية تخص قطاعاً محدداً على مستوى القطر) والمستوى الإقليمي (برامج تخص إقليماً تنموياً محدداً) وكل محافظة (برامج تخص محافظة محددة) وبرامج استهدافية تخص منطقة أو شريحة سكانية محددة). لافتاً إلى أن أهم البرامج التي يمكن الشروع بها على طريق إعادة البناء والتنمية هو (البرنامج البحثي في خدمة إعادة البناء والتنمية) ويمكن لوزارة التعليم العالي أو جامعة دمشق تأسيس مركز بحوث يختص بالبحث والتقصي وتحديث بيانات المؤشرات على اختلاف أنواعها وتقديم الدراسات أو الأوراق الخلفية التي تتطلبها عملية إعادة البناء والتنمية.

العدد 1104 - 24/4/2024