احتفالات منظمة تلدرة… صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوري

بمناسبة الاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري قدم الرفيق خالد ديوب محاضرة أمام حشد من أصدقاء الحزب، بعنوان (صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوري) في قاعة المركز الثقافي في قرية تلدرة بتاريخ 27 تشرين الأول 2014 جاء فيها:

اجتمع في منطقة الحدث من ضاحية بيروت مساء يوم الجمعة 28 تشرين الأول لعام1924عدد من الأشخاص تجاوز العشرة وتدارسوا في إنشاء حزب للطبقة العاملة منهم يوسف إبراهيم يزبك وفؤاد الشمالي وفريد طعمة، وفي هذا الاجتماع انتخب يوسف إبراهيم يزبك سكرتيراً للحزب، وفي عام 1925أقدم هؤلاء ومن لف حولهم على إحياء ذكرى شهداء العمال بإقامة احتفال مهيب في الأول من أيار في صالة سينما كريستال في بيروت.

لقد دوى بين الجموع المحتشدة من العمال شعار (يا عمال اتحدوا) و(نريد ثماني ساعات من العمل). هذا الصوت جديد على مسامع العمال. وكان من بين الخطباء الكاتب والباحث خير الله خير الله الذي تحدث عن منع تشغيل النساء بأشغال شاقة مخاطباً العمال إنه لولا ثيابكم غير النظيفة هذه لما لبس الأغنياء ثياباً نظيفة! وقال: إن الاحتفال بعيد العمال في لبنان ليس هو الأول، فالاحتفال الأول هو في عام 1907 على الشاطئ اللبناني، كان المحتفلون يعلقون على صدورهم الشرائط الحمراء وغرسوا شجرة في المكان أطلقوا عليها اسم شجرة الحرية. من هو الجمع الذي أحيا احتفال الأول من أيار؟ إنه جمع من صيادي السمك ومن كادحي تلك المنطقة من ضواحي بيروت، والذين خطبوا في الاحتفال هم مصطفى (الغلايني)، فليكس فارس، داود مجاعص، جرجس نقولا، إضافة إلى خير الله خير الله.

لقد دشن الحزب تشكيل أول نقابة لعمال الدخان في بكفيا عام 1924نقيضاً لاتحاد العمال العام الذي أوجده الانتداب الفرنسي (1919) الذي ضم العمال وأصحاب العمل وتحول عام 1921 إلى حزب العمال العام في لبنان، ومن أهدافه الدفاع عن علم لبنان المؤلف من الألوان الفرنسية مع الأرزة والدفاع عن السيادة الفرنسية على سورية ولبنان الهدف من إنشاء هذا الحزب الذي ضم 2100عضو هو قطع الطريق على الحركة العمالية واحتوائها وتوظيفها لصالح الانتداب الفرنسي وعملائه في البلاد إلا أن نضال العمال وإنشاء نقابتهم المستقلة عن أصحاب العمل وتوجيه الحركة العمالية الوجهة النضالية الصحيحة قطع الطريق عليهم. وعلى قاعدة هذه النقابة تمكن الحزب أن يجعلها الوجه العلني لنشاطه تحت اسم حزب الشعب اللبناني، وهكذا كانت ولادة الحزب والنقابة في خضم المعركة ضد الانتهازية في الحركة العمالية وضد الانتداب الفرنسي.

لقد أعلن يوسف إبراهيم يزبك في احتفال عيد العمال في صالة كريستال اسم فؤاد الشمالي سكرتيراً عاماً للحزب فقوبل بالتصفيق الحاد هذا الرفيق هو مؤسس نقابة عمال الدخان ورئيسها، ويعرفه معظم العمال. لقد أصبح في لبنان حزب شيوعي، وكان ضرورة تاريخية للدفاع عن مصالح الكادحين وضرورة وطنية لقيادة نضال الجماهير الشعبية للتحرر من الاستعمار الفرنسي وتحقيق الاستقلال الوطني. ولأول مرة وجدت القيادة السياسية التي تعتمد النظرية الماركسية الليننية ومنهجها المادي الجدلي مرجعاً نضالياً كأداة تحليل وتفسير وفهم الظاهرات والأحداث السياسة والاجتماعية وردها إلى الأسباب الحقيقة التي تولدها.والحدث الثاني الجدير بالذكر هو لقاء شبيبة سبارتاك الشيوعية الأرمنية بقيادة آرتبن مادويان مع المجموعة الشيوعية العربية بقيادة فؤاد الشمالي في حزيران عام 1925. 

إن نشوء الحزب الشيوعي السوري جاء استجابة لحاجة موضوعية اربطت بتطور النضال ضد الاستعمار الفرنسي وظهور العلاقات الرأسمالية في بعض فروع الاقتصاد وبدء تكون الطبقة العاملة في سورية ولبنان، واستمرت العلاقات الإقطاعية إلى جانب العلاقات الرأسمالية في فروع الاقتصاد كالتبغ والكهرباء وسكك الحديد والريجي والأسمنت من الناحية الطبقية، ومن الناحية السياسية خروج البلاد من سيطرة السلطنة العثمانية المغرقة في التخلف ووقوعها تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي، وكانت النزاعات السياسية والفكرية تعبر عن الفترة الانتقالية هذه، إذ كانت تعود أفكار غيبية مرتبطة بتخلف الدولة العثمانية والإقطاعية وأوهام حول الخلافة الإسلامية، وكانت أيضاً أفكار التحرر القومي الديمقراطي التي انتشرت بين أوساط المثقفين من البرجوازية الناشئة، إضافة إلى أصداء ثورة أكتوبر الاشتراكية التي وصلت إلى أسماع شعوبنا وشعوب العالم بأسره وأخذ اسم لينين يتردد في أوساط العمال والفلاحين وجرت مراسلات بينه وبين قادة الحركة الوطنية من أمثال إبراهيم هنانو وهذا يؤكد الترابط بين الحركة الوطنية التحررية والاشتراكية الظافرة.

لقد انخرط الحزب عشية نشوئه في الثورة السورية الكبرى 1925 بالإمكانات المتواضعة وقام بتوزيع البيانات على جنود الاحتلال يدعوهم فيها إلى عدم مقاومة الثائرين، ودعا قادته ومناضليه إلى تأييد الثورة الوطنية وقد تعرضوا بسبب ذلك للسجن والنفي إلى جزيرة أرواد والقدموس والرقة. كما ناضل بقوة لدعم الإضراب الكبير عام 1936 طلباً للاستقلال، وعمل مع الحزب الشيوعي الفرنسي في دعم الوفد المفاوض بمطالب الاستقلال. وفي أعقاب هزيمة النازية علي يد الجيش السوفيتي كما راهن على ذلك الحزب الشيوعي السوري، كانت سورية أول بلد عربي يحقق الاستقلال الوطني

وبعد نيل الاستقلال ناضل الحزب مع كل القوى الوطنية والديمقراطية ضد محاولات تقويض الاستقلال عن طريق المشاريع والأحلاف العسكرية، من حلف بغداد والدفاع المشترك إلى مشروع سورية الكبرى والهلال الخصيب وناضل ضد الرأسمال الأجنبي ومن أجل إنجاز الاستقلال الاقتصادي، ووقف ضد محاولات الشركات الأمريكية والألمانية للسيطرة على استخراج النفط ودعا إلى استخراجه واستثماره وطنياً.

لقد أدرك الحزب أن الطبقة العاملة تحتاج إلى تحالفات طبقية وسياسية في إنجاز مهامها، وعلى أساس ذلك عمل على إنجاز تحالف وطني لإقامة الجبهة الوطنية المعادية للاستعمار وساهم في إنجاز التجمع البرلماني في أواسط الخمسينات عقب انهيار دكتاتورية الشيشكلي، وقد ضم التجمع ممثل الحزب الشيوعي السوري وممثلي حزب البعث العربي الاشتراكي في البرلمان، وأبرز ممثلي البرجوازية الوطنية وممثلي الضباط الوطنيين في الجيش العربي السوري. وعندما حدثت تطورات اجتماعية في البلاد بفعل قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم انخرط في العمل لإنجاز الجبهة الوطنية التقدمية التي أعلن عن قيامها في آذار لعام 1972.

لقد تمسك الحزب باستمرار في نشاطه التحالفي بالدفاع عن مطالب العمال والفلاحين وسائر الكادحين وإبراز وجه الحزب المستقل. كما أولى الحزب منذ نشأته قضية النضال في سبيل الحرية والديمقراطية الاهتمام، واندمج نضاله من أجل الاستقلال بالنضال في سبيل الديمقراطية وفي سبيل التقدم الاجتماعي والاشتراكية، وناضل منذ البدء من أجل دستور يخلو من نصوص تقيد الشعب ومجلسه النيابي، ومن أجل انتخابات نسبية تتيح للجماهير إمكانية التعبير عن إرادتها.

وقف الحزب ضد جميع أشكال الدكتاتوريات التي مرت على سورية من دكتاتورية حسني الزعيم إلى الشيشكلي، ورأى الحزب أن التضييق على الحريات الديمقراطية يشجع الاتجاهات المعادية للشعب ويحول دون تسليط الضوء على الأخطاء والانحرافات ويعرقل النضال ضدها، ووقف كذلك ضد وعد بلفور وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأوضح الارتباط العضوي بين الحركة الصهيونية والإمبريالية الإنكليزية ثم الأمريكية، وحذر من محاولة الاعتماد على الإمبريالية في مقاومة الصهيونية، ورفع شعار إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، وبعد قرار التقسيم أكد حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية المستقلة.

ضمن هذه المستجدات شدد الحزب على ترابط القضايا الوطنية والاجتماعية والديمقراطية ورأى أن القضية الوطنية هي الحلقة الأساسية في الصراع الدائر بين مطامع إسرائيل والقوى الرجعية من جهة، ومصالح الشعب والوطن من جهة أخرى، وطالب بحل قضايا الشعب وذلك باستئناف التنمية وخلق فرص العمل وبناء اقتصاد وطني قوي، وتوسيع الهامش الديمقراطي بالكف عن الاعتقال الكيفي للقوى الوطنية والديمقراطية وإنهاء حالة الطوارئ وإصدار قانون للأحزاب وآخر للصحافة. وعلى أبواب مؤتمر حزب البعث العربي الاشتراكي العاشر (2005) قدم الحزب الشيوعي السوري الموحد مذكرة بهذا الخصوص ونبه من ازدياد الاستياء الشعبي نتيجة الأوضاع الناشئة ومخاطره على أفاق التطور في سورية وطالب بإجراء الحوار مع كل القوى داخل الجبهة وخارجها للخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد، فكانت جملة هذه العوامل وغيرها من الأسباب الداخلية العميقة التي دفعت بالحراك الشعبي الذي رفع مطالب محقة نحن معها لأننا تبنيناها منذ سنوات، وهي تلامس طموحات الشعب إلا إن العوامل الخارجية التي تسعى لضرب الموقف الوطني الممانع والمساند للمقاومة قامت بدور في ترجيح كفة العصابات المسلحة ودعمها بالمال والسلاح والإعلام والمعلومات الاستخباراتية، وتشكل حلف إقليمي ودولي ضم أكثر من 100دولة من الرجعية العربية والإمبريالية الأوربية والأمريكية وإسرائيل، فكانت اللوحة واضحة تماماً، وتمسك الحزب بموقف دعم الجيش في ملاحقة العصابات المسلحة وقد حقق نجاحات استراتيجية، وتلازم ذلك بالتمسك بخيار الحوار الوطني لإنجاز الميثاق الوطني والانتقال إلى مرحلة جديدة قوامها التعددية والديمقراطية وتداول السلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية ضمن مناخ المصالحات الوطنية، ولا خيار غير ذلك للدفاع عن الوطن واستئناف عملية البناء وولوج طريق التقدم الاجتماعي ولملمة الجراح.

العدد 1105 - 01/5/2024