رسالة من غزة

ثلاث سنوات ونيّف، وسورية تعاني من هجمة تتريّة لإركاعها، وإجبارها على التخلي عن سيادتها الوطنية وانتمائها القومي، وعما تمثّله من مكانة معنوية ومادية في محور المقاومة الذي أثبت أنه السبيل الأصح للانتصار على المشروع الصهيوني العنصري الذي يستهدف الأمّة العربية كلها.

هذا ما كنا نقوله ونردده منذ افتعال (الفوضى الخلاقة)، أو مشروع الشرق الأوسط الجديد، أو في حراك (الربيع العربي).

الآن، ما يجري في غزة من إبادة جماعية، وقادة العالم (المتحضّر) إما داعمون للعدوان، أو صامتون، يعمل (الإسرائيليون) على استكمال مشروعهم السرطاني.

ولا يمكننا أن نفصل بين ما يجري في غزّة الآن، والهجمة المسعورة على محور المقاومة.

قبيل بدء العدوان على غزّة، وفي الليلة التي سبقت بدء العدوان، وصلتني رسالة من صديق فلسطيني يقيم في قطاع غزّة، وتحديداً في مخيم الشاطئ، لجَأت إليه أسرته من مدينة المجدل الفلسطينية في العام 1948 استشهد والده في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر عام 2008 بعد أن استهدفته قذيفة إسرائيلية وهو على مركب صيد فقير، ولم يبق من أسرته غيره، ووالدته وأخ يصغره بعدّة سنوات. وأنا هنا أنقل بضعة مقاطع من رسالته.

كتب يقول: (أخي وصديقي العزيز.. ثلاث سنوات ونصف وسورية الحبيبة تعاني من قسوة الأحداث التي تسببت في تهجير الناس من مدنهم وقراهم للنجاة بأرواحهم، بعد أن سُلبت أرزاقهم، واستقر بهم المقام في المناطق الأكثر أمناً، في البيوت والدور والمزارع، وقامت الدولة بتأمين مراكز إيواء لتلك الأسر، كان أكثرها في المدارس، وفي الصالات، وغيرها من المراكز التي استطاعت أن تحافظ على كرامة الناس، ووفرت لهم سقفاً يحميهم، وما تيسّر من فراش وطعام، تحمّلت الدولة هذه المسؤولية بجدارة.

وهذا ليس بجديدٍ على سورية.. ونحن ندرك بأن (الربيع العربي) المزيّف هذا كان من أجل كسر محور المقاومة، ويستهدف سورية بشكل خاص، ولصالح إسرائيل.

لقد دفعت سورية أثماناً باهظة جداً من بُناها التحتية، ومن الشهداء الأبرياء، لكنها صمدت، ووقفت سدّاً منيعاً في وجه الحرب المعلنة عليها، وكلنا يقين أن سورية ستنتصر.

نحن يا صديقي ما زلنا نعيش في مخيم، شهادتي الجامعية، وتخصصي العلمي ضاع في طريقي للبحث عن لقمة عيش، وأصبحتُ بقدرة قادر (صياداً)، على المركب الذي استشهد والدي فيه، وتعلّمت، كما تعلم الكثيرون منا كيف ننتظر الموت في كلّ لحظة حتى صار رفيق أيامنا، تعلّمنا الصبر وفنّ الانتظار، تعلمنا كيف ننام على الأرصفة وفي الشوارع ننتظر فرجة نور من (معبر) أخرج منه مع والدتي للتداوي في مشافي الإخوة الأقربين.

تعلمنا كيف نحفر دُسرا إلى جانب دورنا نأوي إليها كلما سمعنا صفير أباتشي أو إف 16 أو حتى (زنّانة)..

تعلّمنا كيف نحب ونحيا، وكيف نتعايش مع حصار خانق، وكيف نضع الأطفال تحت صدورنا مع كل قصف، وكيف نهبّ للإنقاذ وإطفاء الحرائق وإسعاف المصابين وانتشال الجثث من قلب الردم.

وتعلّمنا الدرس الأهم في أننا (يا وحدنا)..

أشعر أن الأرض تميد، كأنها تعاني من مخاض ما، والطيور تأبى التحليق.

صمودكم يحفّزنا على الصبر، ونؤمن أننا ذات يوم سنلتقي على الحدود المصطنعة، نمسحها، ونعود إلى حضن سورية الدفيء.. والسلام عليكم.. أخوك (خالد .ع)).

أخي خالد، أيها الفلسطيني الصامد وحدَك، أيها الصيّاد على مركب الفقر.. سورية، وأنا نتمناك وغزّة بخير!

العدد 1107 - 22/5/2024