الصناعة السورية في ظل الأزمة: أحداث الفترة 2000-2011 وصعوباتها ونتائجها

إضافة إلى السمات العامة للصناعة السورية ونقاط الضعف والمشاكل والصعوبات التي تواجهها والتي سبقت الإشارة إليها، واجهت الصناعة السورية خلال الفترة 2000-2011 التي سبقت نشوب الأزمة في سورية مجموعة هامة أخرى من الأحداث والصعوبات، من أهمها:

1- تحرير التبادل التجاري وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا، دون أن يسبق ذلك أو يترافق معه على الأقل تنفيذ برامج ملموسة لرفع القدرة التنافسية للصناعة السورية وتمكينها من الاستفادة من الفرص التي تتيحها هذه الاتفاقيات ومواجهة المخاطر والسلبيات الناجمة عنها وجعلها في أدنى الحدود، إضافة إلى الضعف والتأخر في الإجراءات المتخذة لمواجهة الآثار السلبية التي رافقت تطبيق هذه الاتفاقيات.

2- انعكاس نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وما رافقها من تراجع الصادرات وتوقف العديد من المعامل.

3- محدودية نتائج تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية في معالجة مشاكل هذا القطاع من ناحية، وتحقيق الأهداف المحددة له في هذه الخطة من ناحية أخرى.

4- رفع أسعار المحروقات داخلياً وانعكاس ذلك على مختلف أسعار السلع والخدمات – إضافة إلى أثر الجفاف – ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، مع محدودية القدرة أو عدم إمكانية عكس هذه الزيادات على سعر المنتج بسبب المنافسة الخارجية من ناحية، وعدم وجود صندوق تعويض لهذه الغاية من ناحية أخرى.

5- ارتفاع أسعار العديد من مدخلات الإنتاج عالمياً نتيجة ارتفاع أسعار النفط ثم انخفاضها على نحو سريع، ما ألحق ضرراً كبيراً بالصناعة السورية في المرحلتين.

6- انخفاض الطلب الداخلي نتيجة ضعف القوة الشرائية للمواطن السوري من ناحية، وبروز حالة الترقب والانتظار لنتائج الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت عام 2008 ومنعكساتها، إضافة إلى تراجع تحويلات العاملين في الخارج بسبب هذه الأزمة من ناحية أخرى.كذلك تراجع الصادرات إلى أسواق المنتجات السورية التقليدية في الخليج العربي وشمال إفريقيا نتيجة تراجع عدد المقيمين في دول الخليج و/ أو تخفيض رواتبهم بسبب تلك الأزمة.

7- عدم تنفيذ البرنامج الشامل للتحديث والتطوير الصناعي الذي أعد في عام 2007 بهدف تحديث وتطوير 1000 شركة صناعية خلال 3 سنوات، إضافة الى عدم إحداث المؤسسات الداعمة التي كان من الضروري إحداثها في هذا المجال (مجلس التنمية الصناعية، مركز التحديث الصناعي، مراكز فنية للصناعات النسيجية والغذائية والكيميائية والهندسية، صندوق التحديث الصناعي…).

وقد أدت كل هذه العوامل إلى تراجع الاهتمام بالصناعة وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه من الصين وغيرها، مما انعكس على عدد المشاريع الصناعية المنفذة خلال الفترة 2006-2010 وقد أشارت بيانات وزارة الصناعة إلى تراجع عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى 1718 مشروعاً في عام 2007 وإلى 1658 مشروعاً في عام 2008 وإلى 1476 مشروعاً في عام 2009 وصولاً إلى 1408 في عام 2010 حيث بلغت نسبة التراجع بين 2006-2010 نحو 38%. كما تم إلغاء 3282 سجلاً وقراراً صناعياً في عام 2009 بناء على طلب أصحابها واستناداً لما تقتضيه القوانين والأنظمة النافذة، وذلك أيضاً حسب وزارة الصناعة آنذاك.

تنقسم المنشآت الصناعية الخاصة في سورية إلى ثلاث فئات:

– الفئة الأولى، وتتضمن منشآت بسيطة وذات إمكانات متواضعة جداً في الإدارة والإنتاج والتسويق، وغالباً ما تكون غير قادرة بوضعها القائم على الصمود والمنافسة، وهي المهددة بالخروج أولاً قبل غيرها وقد خرج فعلياً قسم هام منها خلال الفترة السابقة وما يزال.

– الفئة الثانية وهي المنشآت الحرجة، التي وإن كانت أفضل من الفئة الأولى نسبياً وتملك إمكانيات للتطور، إلا أن بقاءها وصمودها بحاجة إلى جهود كبيرة من أصحابها ومن الجهات الحكومية المختلفة للتحديث والتطوير، وفي غير ذلك فإن مصيرها سيكون كالفئة الأولى.

– الفئة الثالثة وتشمل المنشآت المتطورة نسبياً والقادرة على المنافسة والصمود، وهي مطالبة باستمرار العمل والتطوير من أجل المحافظة على وجودها ونجاحها، وهذه مهمة ليست بالسهلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية السائدة.

هنا يبرز سؤال هام لابد من طرحه وهو: لماذا لم تستفد الصناعة السورية من اتفاقيات تحرير التبادل التجاري بالشكل المطلوب؟

هناك عدة أسباب أخرى من أهمها:

1- التسرع في توقيع هذه الاتفاقيات وتنفيذها، وبشكل خاص مع تركيا لأسباب سياسية، والمشاركة الرمزية أو الشكلية للصناعيين ومنظماتهم في اللجان الحكومية التي تولت مناقشة هذه الاتفاقيات والأمور المتعلقة بها واعتمادها، وعدم الأخذ بآرائهم بالشكل المناسب حولها، إضافة إلى عدم بذل القيادات الصناعية الاهتمام الكافي والقيام بالدور المطلوب لمناقشة هذه الأمور ومعالجتها.

 2- الدعم الخفي والمعلن الذي تقدمه بعض البلدان العربية وتركيا للمصدرين، سواء بشكل مباشر أو / وغير مباشر من خلال الخدمات الداعمة، مقابل غياب أية إجراءات مماثلة بالنسبة للصناعة السورية.

3- سوء استخدام بعض المزايا التي تتيحها هذه الاتفاقيات والمتمثلة بتزوير شهادات المنشأ لبضائع غير منتجة في البلد المورد لتدخل السوق السورية معفاة من الرسوم الجمركية وبالتالي منافسة المنتج الوطني.

4- التهاون والفساد والإفساد فيما يتعلق بالتخليص الجمركي وخصوصاً فيما يتعلق بقيمة فواتير الاستيراد وتصنيف المواد المستوردة ونوعية المنتج المستورد ومواصفاته، وقصور الجهات المعنية في معالجة هذه الأمور قصوراً جاداً وفعلياً بمنظور وطني، بعيداً عن توجيه هذه المعالجات في بعض الأحيان بما ينسجم مع مصالح بعض الفئات المتنفذة.

5- ضعف التنسيق والترابط بين عملية تحرير التبادل التجاري من ناحية وتنفيذ برنامج شامل ومتكامل لتحديث الصناعة الوطنية وتطويرها من ناحية أخرى، لتحسين قدرتها التنافسية وتمكينها من مواجهة متطلبات تطبيق هذه الاتفاقيات والاتفاقيات الأخرى المشابهة التي يمكن توقيعها مستقبلاً ونتائجه، ما أدى إلى ضعف منافسة العديد من المنتجات المحلية مقارنة بالمنتجات المستوردة لجهة السعر والجودة وخدمة ما بعد البيع، وما نجم عن ذلك من خروج وتوقف كلي أو جزئي للعديد من المنشآت الصناعية..

6- عدم قيام الجهات الحكومية ومنظمات وجمعيات الأعمال بالتعريف الكافي بمضمون هذه الاتفاقيات ومتطلبات الاستفادة منها وكيفية تجنب مخاطرها وآثارها السلبية، ما أدى إلى ضعف معرفة الصناعيين المفصلة بمضمون هذه الاتفاقيات وكيفية الاستفادة منها وتخفيف جوانبها السلبية، إضافة إلى قصور نسبة كبيرة من الصناعيين أنفسهم باتخاذ ما يلزم من جانبهم على الأقل لمواجهة هذه التحديات.

وفي ضوء بروز النتائج السلبية على الصناعة واتساعها خلال تلك الفترة، اتخذت الحكومات السابقة مجموعة من الإجراءات والتدابير لمعالجة تلك النتائج، فصدر عدد من المراسيم والقوانين كان من بينها: تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج تخفيض ضرائب الأرباح واستكمال قانون السرية المصرفية ومكافحة تبييض الأموال، إصدار قانون جديد للشركات، تخفيض سعر الفيول، وضع سعر أدنى لعدد من المنتجات الصناعية المستوردة المماثلة للمنتجات المحلية، الاتفاق مع شركتي مراقبة دوليتين لمراقبة مواصفات المستوردات، إلغاء العمل بالمخصصات الصناعية، إلغاء عمولة مؤسسات التجارة الخارجية، إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون حماية الصناعات الناشئة، وتحديث قانون الاستثمار وقانون الشركات، إحداث هيئة الاستثمار السورية والنافذة الواحدة، والعمل على تنفيذ مضمون الميثاق الأورو متوسطي في مجال تبسيط الإجراءات وتحسين بيئة عمل الاستثمار الصناعي وغير ذلك. إضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الهادفة إلى تشجيع القطاع الخاص وإفساح المجال له بشكل مضطرد للدخول في مجالات استثمارية كانت محصورة بالقطاع العام.

من جانب آخر، حفلت الفترة الماضية بتشكيل عدد غير قليل من فرق العمل واللجان الوطنية وتكليفها بوضع برامج لإصلاح القطاع العام الصناعي، لكن من المؤسف أن معظم نتائج عمل هذه الفرق و اللجان لم تدخل حيز التنفيذ، أو أنها لم تنفذ بالشكل المطلوب، إما لكونها مجتزأة ولم تتم ضمن رؤية شاملة، أو لعدم توفر الموارد المالية والإرادة الحقيقية لتنفيذها، بسبب تباين وجهات النظر حولها حتى ضمن الفريق الحكومي.

بشكل عام يمكن القول إن معظم الإجراءات التي اتخذت، لم تستكمل بتحسين بيئة العمل الصناعي الأخرى التي لا بد منها. كما أنها غالباً ما كانت تأتي متأخرة أو متسرعة، أو أنها غير متكاملة بحيث كانت في حالات عديدة تعالج الأزمة بخلق أزمة أو أزمات أخرى.

 

للاطلاع على الجزء الأول: الصناعة السورية في ظل الأزمة: الواقع والمطلوب

العدد 1104 - 24/4/2024