البنتاغون والحملة العسكرية ضد سورية

مرحلة جديدة في سياسة واشنطن الرامية منذ وقت طويل إلى تغيير النظام في سورية، تبرز في تخطيط الولايات المتحدة لتوسيع حملتها ضد داعش، يتصور البنتاغون حملة لعدة سنوات من الضربات الجوية داخل سورية، إلى جانب مساعدة من جانب المقاتلين ضد النظام لتدمير الدولة الإسلامية.

لكن نظراً لسياسة الولايات المتحدة الرامية إلى إسقاط الحكومة في دمشق، يبدو من غير المحتمل أن تقتصر الحملة المخططة على أهداف داعشية فحسب، أضف إلى ذلك أن واشنطن اتهمت حديثاً سورية بإخفاء أسلحة كيميائية، ربما في إشارة إلى نيتها استخدام أسلحة الدمار الشامل المخفية، وخطر وقوع الأسلحة الكيميائية في أيدي داعش، كذريعة لتوسيع لائحة أهدافها لتشمل مواقع للقوات السورية.

قدم القادة الغريبون، خلال أسبوعين، رسالتين عن داعش، واحدة بصوت مرتفع والأخرى بصوت هامس. تقول الرسالة التي صدرت بصوت مرتفع: إن داعش خطر غير مسبوق.

وصف وزير الدفاع تشاك هاغل الجماعة الإسلامية بـ (تهديد وشيك لكل مصلحة لنا) وليتجاوز أي شيء رأيناه). (نيويرك تايمز في 22 آب 2014). لكن مسؤولين أمريكيين قالوا بهدوء عكس ذلك.

ففي 22 آب أقر السكرتير الصحفي للبنتاغون، العميد البحري جون كيربي، أن داعش لا تملك القدرة الآن على توجيه هجوم كبير ضد الولايات المتحدة). (نيويورك تايمز 23 آب 2014). وفي اليوم نفسه أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الوطني أنه لا توجد (تهديدات إرهابية محددة أو معقولة للولايات المتحدة من جانب الجماعة المقاتلة للدولة الإسلامية. (أسوشيتد برس في 22 آب 2014)، وقدم تأكيدات مماثلة حديثاً رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الذي أقر أنه (لم ير أية (معلومات مباشرة) توحي أن الدولة الإسلامية تستطيع تنفيذ هجوم إرهابي على أرض الولايات المتحدة). (وول ستريت جورنال – 7 أيلول 2014). فيما ركّز الإعلام الأمريكي على البيانات التي تلفت الانتباه إلى داعش كتهديد قروسطي (أوباما)، وأسوأ من القاعدة (هاغل)، وينبغي تدميره (جون كيري). (وول ستريت جورنال – في 22 آب 2014).

تصر واشنطن على أن تدمير الدولة الإسلامية يعني ضربات جوية أمريكية ضد معاقل داعش في سورية، وانتهاك الحدود السورية. وحذر أوباما ورئيس الأركان المشتركة الأمريكية مارتن ديمبسي من أنه لا يمكن إلحاق الهزيمة بداعش من دون عمل عسكري ضد أهداف الدولة الإسلامية في سورية. (وول ستريت جورنال – 21 آب و5 أيلول 4102). وبحثت طائرة استطلاع أمريكية عن قادة داعش داخل سورية طوال أسابيع (لتطوير المعلومات عن معاقل الجماعة).

ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) أن (مخططي البنتاغون يتصورون حملة عسكرية) لتدمير داعش (في ملاذها داخل سورية) يمكن أن تستمر (36 شهراً على الأقل). (نيويورك تايمز – 7 أيلول 2014). وذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) أن الضربات الجوية ستدعم المقاتلين ضد الأسد غير المنحازين إلى داعش والذين يموّلون بـ 500 مليون دولار من الولايات المتحدة، ويدعمهم ائتلاف دولي يضم المملكة المتحدة وأستراليا (يقدم المساعدة الإنسانية والأسلحة) ويمكن أن ينضم إلى الولايات المحدة في حرب جوية فوق سورية. (وول ستريت جورنال في 7 أيلول 2014).

ثمة أسباب للاشتباه بأن التدخل العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية لن يتوقف عند أهداف داعش.

إن تغيير النظام في دمشق سياسة أمريكية طويلة الأمد تسبق الربيع العربي. تظهر البرقيات التي كشفتها ويكيليكس أن تمويل الولايات المتحدة للمعارضة السورية بدأ يتدفق في ظل إدارة بوش منذ عام 2005 إن لم يكن قبل ذلك، أي قبل وقت طويل من بدء الاضطرابات ضد الحكومة السورية. (واشنطن بوست – 17 نيسان 2011). وصفت إدارة بوش سورية أنها عضو في (جامعة صغيرة من محور الشر)، وكانت تلهو بفكرة جعل سورية الأسد الهدف التالي للتدخل العسكري الأمريكي بعد العراق. (نيويورك بريس 2004). الفكرة هي أن واشنطن تسعى إلى تغيير النظام كجزء من برنامج لترويج الديمقراطية، ولايمكن قبول هذه الفكرة بشكل جدي، خصوصاً في ضوء الدعم الأمريكي غير المتردد للديكتاتوريات المتوجة في البحرين والعربية السعودية وغيرها، التي تقمع شعوبها بوحشية.

بدأت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور تثير مؤخراً ضجة حول (إخفاء أسلحة كيميائية غير معلنة) يُزعم أنها تابعة للحكومة السورية. لعبت على تجارة الخوف ذات الصلة بداعش، وأشارت إلى خطر وجود (أسلحة كيميائية باقية في سورية)، وأنه (لا يمكن أن نتصور فقط ماذا يمكن أن تفعل داعش إذا امتلكت أسلحة كهذه). (نيويورك تايمز -4 أيلول 2014). وهذا يشبه بشكل مريب الذريعة المستخدمة من قبل واشنطن لغزو العراق في عام 2003.

إن الخطر الحقيقي تشكله داعش بالنسبة للدول العربية، وليس للولايات المتحدة. وهذه نقطة يسلم بها أوباما. حين يقول: (الأخطار التي تشكلها داعش أكثر مباشرة عليها (الدول العربية) الآن مما هي علينا). (وول ستريت جورنال في 7 أيلول 2014). شكلت داعش بالتأكيد تهديداً للجمهورية العربية السورية، تهديداً كانت واشنطن مستعدة لإغفاله أو تغذيته. أما الآن والدولة الإسلامية تهدد العراق، وربما العربية السعودية، فإن واشنطن تدق طبول الحرب، مع حليفيها البريطاني والفرنسي، ومن الممكن أيضاً أن تستخدم الفرصة التي تقدمها الدولة الإسلامية لتصعيد حملتها العدوانية ضد سورية.

العدد 1107 - 22/5/2024