فوبيا الطائرة… أوهام نفسية علاجها سلوكي

لاعب منتخب بوليفيا لكرة القدم راؤول غوتيريت. اللاعب الهولندي دينيس بيركامب. الموسيقار محمد عبد الوهاب. الفنانة ماري منيب. الملحن حسن الشافعي. الأديب نجيب محفوظ. الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ. هل تعرفون ما القاسم المشترك بين هؤلاء؟ إنهم جميعهم يعانون فوبيا السفر بالطائرة.

كثيرون يخشون ركوب الطائرة. بعضهم يحجز تذكرته ويذهب على مضض، لكن بعد أن يستعين بأحد الأدوية المهدئة. في حين يحجز بعضهم الآخر تذكرته، لكنه يختلق يوم السفر أعذاراً واهية، مع أن السبب الفعلي هو فوبيا ركوب الطائرة.

فوبيا ركوب الطائرة مرض نفسي منتشر في العالم، وبيّنت دراسات أجريت في كل من النروج والسويد وإيسلندا أن هذا الاضطراب ينتشر أكثر عند النساء، خصوصاً ربات البيوت اللواتي لا يعملن.

وتتنوع أشكال فوبيا الطائرة بين المصابين، فبعضهم يفضّل الصمت طوال الرحلة فلا يتفوه بكلمة، لكنه يقوم بحركات فاضحة تنم عن القلق، مثل التأكد المتكرر من ربط حزام الأمان، أو التمسك بشدة بالمقعد، أو تثبيت الأقدام بقوة، أو الضغط على الأسنان، أو وضع الرأس على المقعد الأمامي كالنعامة التي تحاول أن تخفي رأسها في الرمل.

أما بعضهم الآخر فيدخل في نقاش مستمر مع المضيفين، أو مع من يجاوره، طارحاً عليهم أسئلة لا تتوقف، تتعلق بوقت إقلاع الطائرة، والمسافة التي ستقطعها، وزمن الوصول، واسم قائد الطائرة، وغيرها من الأسئلة التي تهدف إلى جلب بعض الطمأنينة.

آخرون قد تتحول رحلتهم في الطائرة إلى كابوس حقيقي، فتراهم في حال سيئة يغلب عليها الشحوب، لا يأكلون ولا يشربون ولا يحركون ساكناً، وقد يعانون عاصفة من الأوجاع في الصدر والبطن، وتسرعاً في دقات القلب، وضيقاً في التنفس، واضطرابات في الدورة الدموية، وتعرقاً، وضعفاً عاماً، وجفافاً في الفم، وشحوباً وتشنجات عضلية.

أما عن أسباب فوبيا ركوب الطائرة فليست موجودة على أرض الواقع، بل تعود إلى بعض التخيلات والأوهام، مثل سقوط الطائرة والموت المحتم، أو بسبب شعور المسافر بأنه في مكان مغلق لا مهرب له منه وأن مصيره في أيدي أشخاص آخرين، خصوصاً عندما تمر الطائرة في مطب هوائي جوي تصبح فيه كالريشة في مهب الريح، ما يخيف حتى أكثر الناس رباطة جأش. ومما لا شك فيه أن ما حصل للطائرة الألمانية المشؤومة (جيرمان وينغز) التي لقى ركابها حتفهم بسبب الطيار الأرعن اندرياس لوبيتز الذي تعمّد إسقاط الطائرة في جبال الألب الفرنسية، سيعزز مخاوف المصابين بفوبيا الطائرة وسيجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يسافروا جواً تخوفاً من وقوع حوادث مماثلة.

لكن هناك أمور قد تفتح الباب أمام فوبيا الطائرة، مثل سماع أخبار تحطم طائرة ما، ومشاهدة حالات فزع بعض الركاب، وأسلوب قائد الطائرة غير المريح في طمأنة المسافرين، وطلب ربط الأحزمة المفاجئ، وتصرفات المضيفين المريبة وحركاتهم المكوكية السريعة في ممرات الطائرة، والإخطار بوجود عطل فني قبل الإقلاع، وغيرها من الأمور المشابهة التي يمكن أن تعجل من ظهور فوبيا الطائرة وإلى اندلاع عوارضها المزعجة.

هل يمكن علاج فوبيا السفر؟

نعم، إن العلاج ممكن للغاية، وهو يعتمد على العلاج السلوكي المدعوم بتناول بعض الأدوية المهدئة ضمن برنامج محدد يتم فيه بداية ذهاب المصاب إلى المطار ودخول الطائرة مرات عدة من دون السفر، والهدف من ذلك تبديد قلق المريض وطرد مخاوفه وتعزيز ثقته بنفسه.

يبقى أن نشير إلى عدد من النصائح للذين يرهبون السفر في الطائرة:

– أخبر أفراد طاقم الطائرة أنك تعاني من رهاب الطائرة فهم الأدرى بكيفية التصرف في مثل هذا الظرف، فهم يبذلون قصارى جهدهم للعناية بالأشخاص الذين يعانون من رهاب السفر على نحو أكثر من خلال شرح التعليمات الموجهة للمسافرين في شكل أوضح لإشاعة الطمأنينة في النفس.

– استرخ جيداً، فهذا يساعد في الحد من مشاعر الخوف المرافق لركوب الطائرة.

– التنفس بعمق بشكل طبيعي بحيث يكون الشهيق طويلاً وكذلك الزفير، فهذا يساعد في التخفيف من حدة القلق.

– حاول أن يكون تفكيرك إيجابياً من أجل مواجهة الخوف والتغلب عليه.

– لا تخشَ مرحلة الإقلاع وما يصاحبها من ضجيج شديد.

– لا تجعل الرحلة تشغل تفكيرك كله، وحاول أن تلهي نفسك بأشياء تنسيك المعاناة، مثل سماع الموسيقى، وقراءة كتاب، أو مشاهدة فيلم.

– يفضل استشارة الطبيب قبل السفر، فقد يحتاج الأمر إلى بعض الجلسات النفسية أو تحرير وصفة بأحد الأدوية إذا دعت الضرورة.

العدد 1105 - 01/5/2024