إِلامَ ترنو المرأة السورية في عيدها العالمي..؟

أيام قليلة تفصلنا عن الثامن من آذار- عيد المرأة العالمي- الذي يعود هذا العام والدم السوري مايزال مُستباحاً، والدمار شاملاً، والجوع والفقر مستفحلين.
يعود هذا اليوم والمرأة السورية ما تزال تحاول لملمة أشلائها المبعثرة ما بين الواقع المُفجِع والحياة المريرة، في ظل حرب شارفت على عامها الرابع بلا رحمة أو شفقة، ولا أمل يلوح في الأفق بإمكانية انتهائها.
يعود يوم المرأة العالمي على السوريات وهنّ يتشحن السواد والحزن والقهر، على أبناء لهن، وإخوة وآباء وأزواج كانوا وقوداً لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. وكم من بيوت صارت أثراً بعد عين، ليغدو النزوح والتشرد والتهجير مصيراً محتوماً مغلّفاً بالذلّ والهوان، مُترعاً بالجوع والمرض الذي لا يجد له في السوق دواء.
يحلُّ هذا العيد الذي تحتفي فيه البشرية بصانعة الحياة، ومربيّة الأجيال وقد أنهكها السعي في سورية للوصول إلى أمنٍ وأمانٍ سرقتهما الحرب، فساد الخوف على مصير الأبناء الذين هجروا طفولتهم باكراً، مثلما هجروا مدارسهم وألعابهم، ليكونوا في بعض المناطق جنوداً اغتال السلاح براءتهم وألقى بهم في مهاوي العنف والكراهية ربما لجيرانٍ وأصدقاء كانوا بالأمس رفاق الحي والمدرسة، وآخرين ابتلعتهم الشوارع بلا رحمة بما تحويه من مخاطر الانحراف والتشوّه النفسي والأخلاقي.
يحلُّ العيد وكثير من النساء يفترشن الدروب والساحات والأنفاق مع أطفالهن لأجل بضع ليرات في اليوم علّها تسد رمق جوعهم، وأخريات يسعين للرزق في كل اتجاه علّهنَّ يُنقذن ما تبقى لهنّ من كرامة أهدرتها الحرب والمتحاربون.
فكيف لنساء سورية أن يستقبلن عيدهن بعد كل هذا القهر والحزن والضياع..؟ وكيف للعيد أن يحمل لهنّ وردة حمراء ربما ارتوت من دماء الشهداء..؟
لكن، رغم كل هذا الوجع والأنين، ورغم ما جرى ويجري، تبقى نساء سورية شامخات في وجه كل ما يُعيق الحياة، ويُعرقل مسار آمالهن في مستقبل خالٍ من الحروب وويلاتها، مستقبل خالٍ من العنف والاضطهاد والتمييز عبر دستور وطني يلتزم جهاراً بالاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل التي صادقت عليها سورية، دستور يقوم فعلاً على أساس مبدأ المساواة بين المواطنين(نساءً ورجالاً) – المادة 33 – دون أن يناقض تلك المساواة كما في مادته 84 الفقرة 4 التي تقول أن لا يكون رئيس الجمهورية متزوجاً من غير سورية، وهنا يبدو واضحاً منع المرأة السورية من ممارسة هذا الحق بتحديد زوجة الرئيس، لا زوج رئيس الجمهورية، فهذه المادة تنطوي على تمييز وتناقض مع المادة 33 من الدستور ذاته، تمييز قائم على أساس الجنس يتناقض أيضاً مع المادة 23 التي تنص على أن توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع، فما هو المقصود بالمساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية و.. إلخ في ظلّ هذا التناقض والتمييز الفاضح؟
يأتي العيد والمرأة السورية ما تزال ترنو إلى قوانين وتشريعات تنصفها وتُساويها مع الرجل في الحقوق والواجبات، قوانين حضارية تُشرّع استناداً إلى ما وصلت إليه هذه المرأة من مستويات تعليمية وثقافية وعملية أهّلتها لمناصب ومكانة أثبتت من خلالها أنها جديرة فعلاً بها، وليس بقوانين وتشريعات متخلّفة سُنَّت منذ قرون ولم تعد تتوافق وروح العصر، كقانون الأحوال الشخصية الذي لا يرى في المرأة سوى موطوءة وتابعة في الولاية لرجال القبيلة مهما صغُر شأنهم وعمرهم، وهي التي جالت في جميع ميادين العلم والعمل.
يأتي العيد، وما تزال نساء سورية يتطلعن إلى تغييرات جذرية وحقيقية وصادقة في تلك القوانين من خلال ما ستسفر عنه أعمال ومقترحات لجنة تعديل القوانين التمييزية التي ننتظر أن ترى النور وقد عملت على تلبية جميع الطموحات، ابتداءً من قانون أحوال شخصية مدني يكون اختيارياً في المرحلة الراهنة، أو قانون أسرة يواكب المتغيّرات التي طالت هذه الخلية بكل مكوناتها وأساليب حياتهم وأدوارهم في المجتمع، وصولاً إلى قانون جنسية يساوي بين المرأة والرجل بكل مناحي هذا القانون، كي يصل العديد من أبناء السوريات المتزوجات من غير سوري إلى بر الأمان والاستقرار، بعد زمنٍ من التشتت والضياع ما بين الجنسية والإقامة والانتماء إلى بلدٍ ربما ما عرفوا سواه. كما تتطلّع جميع السوريات إلى قانون عقوبات يساويهنّ بالرجال، وضرورة إلغاء المادة 548 المتعلّقة بجرائم الشرف والتي تمنح الرجل العذّر المُحِل بينما تمنعه عن المرأة التي يتمُّ ذبحها لغايات ومآرب بعيدة عن الشرف في غالب الأحيان، وعدم الاكتفاء بما جاء في المادة 192 التي يوجد فيها دافع الشرف، والتي تسمح للقاضي تقدير الجرم بدافع الشرف لمنح أسباب مخففة، بل يجب تحديد ماهية هذا الشرف المُلقى فقط على أكتاف النساء دون الرجال، والمساواة بينهم جميعاً في الحفاظ على هذا الشرف الرفيع من الأذى. وكذلك شمول الاغتصاب الزوجي بالمادة 489 من قانون العقوبات والتي تنص على:
1- من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل.
2- ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
إذ يتضح من هذه المادة استثناء الاغتصاب الزوجي الذي تُعانيه معظم النساء، وذلك في محاباة واضحة لقانون الأحوال الشخصية من جهة، وللموروث الديني والقيمي الاجتماعي الذي يفرض على الزوجة واجب إرضاء شهوات الزوج من دون رضاها، حتى ولو كانت طفلة لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها. ألم ينظر المشرّع إلى زواج الأطفال الذي يُعتبر بحدّ ذاته جريمة يُعاقب عليها القانون، مُضافاً إليها جرم الاغتصاب الزوجي، وخاصة لطفلات لم يَعين بعد ماهية الزواج ومسؤولياته، ليأتي واقع الاغتصاب النفسي والزوجي الذي يُعتبر الأشدُّ وقعاً وألماً في نفس المرأة، صغيرة كانت أم كبيرة، لأنه يأتي من أقرب الناس الذي عليه منحها الأمان والمحبة.
هذا غيضٌ من فيضِ ما ترنو إليه نساء سورية وهنّ يستقبلن عيدهن رغم أنهنَّ متشحاتٍ بالحزن والسواد من جهة، لكنهنّ من جهة أخرى عاقدات العزم والأمل على تعديل وتغيير كل ما يعوق تقدمهنّ في الحياة والمجتمع.
 

العدد 1107 - 22/5/2024