بعض الملاحظات والتساؤلات حول مشروع التقرير الاقتصادي

ألم يكن مفيداً لو قُدمت لمحة موجزة عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت في سورية كالقطاع العام الصناعي والإنشائي والإصلاح الزراعي والتعليم والمعالجة المجانية وتأميم التجارة الخارجية.. إلخ. لأن التغيرات التي جرت فيما بعد تحت شعار (الانفتاح الاقتصادي) كانت لها علاقة مباشرة بتلك التحولات، فقد احتدم الصراع الطبقي والاجتماعي بين القوى التقدمية واليسارية التي عملت على إنجاح هذه التحولات وإيصالها إلى أهدافها النهائية، وبين القوى الرجعية التي عملت منذ بدايتها على إفشالها، ولم يكن هذا الصراع يجري بظروف ملائمة لمن يعملون على إنجاح هذه التحولات بقدر ما كانت ملائمة لمن يعملون على إفشالها، مما أدى إلى تغيرات في موازين القوى لصالح الطبقات والفئات المعادية لهذه التحولات، وبدأت العودة عنها شيئاً فشيئاً.

أشار مشروع التقرير الاقتصادي في المقدمة إلى أن المتابعة الموضوعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات العشر التي سبقت نشوب الأزمة تبين بشكل لا لبس فيه أن الآثار والنتائج التي نجمت عن سياسة الانفتاح غير المدروس ساهمت في زرع بذور الأزمة ووضعت بين أيدي الذين يستهدفون بلادنا مدخلاً مناسباً لمحاربته، لأن كل هذه التغيرات ومن وجهة نظري كانت لها علاقة مباشرة بما تم لاحقاً.

أما ملاحظاتي وتساؤلاتي حول مشروع التقرير فهي:

أولاً- أليس هذا الانفتاح الاقتصادي الذي أوصل البلاد إلى هذه الحالة كان يتحقق على يد ما يسمى بالفريق الاقتصادي (الدردري) والعمادي الذي مهد له حنيما استُدعي من الخارج ليقوم بهذا الدور؟!

ثانياً- هل كان هذا الفريق الاقتصادي ينفذ ويطبق هذا الانفتاح الاقتصادي خلال  السنوات الطويلة دون ضوء أخضر ودون توجيهات من القيادة السياسية العليا في البلاد، علماً أن الدردري نفسه صرح بذلك في الصحافة قائلاً: إن كل ما يخطط له ويعمل على تنفيذه يتم بتوجيهات من القيادة السياسية العليا وإرادتها.

ثالثاً- ألم يكن واضحاً أن المنهج الأساسي الذي كان معتمداً لدى هذا الفريق كان قائماً على (التجارة هي قاطرة الاقتصاد)، ما يعني لا إعادة البرجوازية الوطنية الصناعية المعادية للاستعمار إلى السلطة، بل كانت تعمل على تسييد الطبقة الطفيلية (الكومبرادورية) وهيمنتها، تلك الطبقة اللاوطينة واللامنتمية حسب تعبير التقرير الاقتصادي، وكان المثال الفاضح وليس الوحيد لما نُفّذ خلال سنوات الانفتاح الاقتصادي هذا مع تركيا، ما أدى إلى ما يشبه الخراب لصناعة النسيج والموبيليا السورية بشكل خاص، التي كانت عاجزة عن منافسة الصناعات التركية، وبتنا نستورد حتى البوظة من تركيا، ما أدى إلى رفد جيش العاطلين عن العمل بأفواج وهؤلاء أصبحوا نواة لحركات الاحتجاج التي انبثقت من الأحياء والقرى.

رابعاً- هل كان صحيحاً عندما استمر حزبنا خلال السنوات الطويلة هذه بتحميل هذا الفريق الاقتصادي حصراً مسؤولية الانفتاح وهذا التكويع؟

أثار انتباهي في الفترة الأخيرة أن مصطلح (الفريق الاقتصادي) قد غاب عن التداول في أدبيات حزبنا الاقتصادية، وكذلك عن مشروع التقرير الاقتصادي.. تفاءلت وتساءلت: هل يعني ذلك إعادة النظر بهذا الاصطلاح وبالتالي هل فيه شيء من النقد الذاتي؟!

يبدو أنني كنت مخطئاً في كلا الاستنتاجين، لأنني لاحظت وكأن اصطلاحاً جديداً يحل مكان اصطلاح الفريق الاقتصادي بـ(غير المدروس) الذي ورد في مقدمة التقرير، وتكرر كثيراً في سياقه وفي دراسة عن التقرير نشرت في جريدة (النور) للدكتور عبد القادر النيال.. ولا أظن حسب قراءتي المتواضعة أن الموضوع يكمن في (غير المدروس) هذا، بقدر ما كان منهجاً مدروساً ومدروساً بدقة يعتمد مبدأ (التجارة قاطرة الاقتصاد)، وتحت ستاره يجري التكويع والانعطاف المدروس الذي كان مرتبطاً بعوامل كثيرة داخلية وخارجية أدت إلى تغيرات في موازين القوى على الساحتين الداخلية والعربية والعالمية، وفي مقدمتها انهيار التجربة الاشتراكية السوفييتية، التي لا يشير إليها التقرير الاقتصادي نهائياً، رغم أهميته وعلاقته من وجهة نظري. فقد بدأ الترويج لفكرة أن الاشتراكية انتهت إلى غير رجعة، وأن الرأسمالية هي نهاية التاريخ وما تبع ذلك كما رأينا تكويعاً وانحرافاً عن المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدى الكثير من البلدان والحركات السياسية.

خامساً- يلاحظ في أدبياتنا كما في التقرير الاقتصادي ما يتردد كثيراً بأن حزبنا نبه مراراً وتكراراً إلى ضرورة تطوير الجانب الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي، إلا أن السلطات لم تعر هذه المسألة الدقيقة الاهتمام المطلوب.. إلخ.. إلا أن تأثير هذا الكلام من وجهة نظري كان بالإمكان أن يكون مجدياً وفعالاً أكثر في حال ترافق ذلك بنقد ذاتي لمواقفنا الخاطئة أو السلبية أيضاً، وإذا أعيد النظر فيها كدلالة على جدية هذا الحزب، وأرى أن ما وصلت إليه البلاد نتيجة للانفتاح الاقتصادي تتحمله جميع القوى وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ومنها حزبنا الشيوعي السوري الموحد، وإن كانت المسؤولية الرئيسية يتحملها حزب البعث العربي الاشتراكي لأنه الحزب الحاكم والذي جرت كل هذه التحولت في ظل قيادته.

حول تحالف البرجوازية والبيروقراطية

أليس خطأ وضع البرجوازيات كلها هكذا في سلة واحدة، وكذلك وضع البيروقراطية كلها في سلة واحدة.. البرجوازية الطفيلية أو ما يسمى بـ(الكومبرادور)، لها موقف طبقي تبعي للرأسمالية العالمية (الإمبريالية)، لأن مصالحها الطبقية تقتضي ذلك. أما البرجوازية الوطنية الصناعية فلها دور وطني، خصوصاً في مرحلة التحرر الوطني، لأن مصالحها الطبقية تقتضي ذلك وتجربة الخمسينيات من القرن الماضي في سورية أكبر دليل. أما البرجوازية الصغيرة ورغم طبيعتها المتذبذبة فيمكن أن يكون لها دور وطني وتقدمي وأن تكون حليفاً استراتيجياً للطبقة العاملة حتى في مرحلة التغيرات والتحولات الاشتراكية. أما البيروقراطية والبيروقراطيون في إدارتهم للأجور في حال توليهم مراكز قيادية شأن المرحوم المهندس الرفيق هاشم العبيسي الذي كان مديراً عاماً لشركة الأعمال الإنشائية، لكنه كان شديد الإخلاص للقطاع العام وللاشتراكية، وكان متفانياً في سبيل إنجاح هذه التجربة في سورية، وستالين كان استبدادياً وبيروقراطياً ولكنه كان شديد الإخلاص للاشتراكية، وكذلك هناك بيروقراطيون فاسدون ومفسدون لا يتوانون بل يعملون للمتاجرة بقوة الشعب ودمه ومصيره في سيبل مصالحهم الأنانية وهي منتعشة جداً في سورية، ولذا لا أرى صحيحاً الشعار المطروح في مشروع التقرير الاقتصادي (تحالف البرجوازية والبيروقراطية)، وأقترح أن يكون (تحالف البرجوازية الطفيلية وبعض البيروقراطيين الفاسدين المفسدين).

العدد 1105 - 01/5/2024