ظلم الشارة السوداء…على صور الأصدقاء

لم أحسب أن الشارة السوداء ستوضع يوماً على صور أصدقاء، وهم قدموا الكثير وكانوا علامة فارقة في الساحة الثقافية والاجتماعية والإنسانية والإبداعية.. ربما تبدأ حكاية الشارة السوداء عندي حينما علقت على صورة الصديق مروان هندي مراد الذي لازمني ولازمته سنوات عدة وتماهت روحانا في محبة شيء موحد يربطنا به علاقة الانتماء ووحدة الفكر، فرحل تاركاً دمعة في العين وحرقة في الفؤاد. وربما كان الرجل الثاني الذي ألهب نيران الحقد على الشارة السوداء حينما رأيتها تلف زاوية صورة للعم الشيخ سالم نرش مستذكراً ذكريات الطفولة وهو يقدم لي يد المساعدة في الحياة، رحل ولم يذق مرارة فراق ابنه الأخ الغالي الأستاذ الدكتور رياض نرش الذي كثيراً ما كنت أستمع إلى نصائحه بروح الإعجاب والمحبة، وهو الأستاذ الجامعي في كلية الفنون الجميلة وبسرعة البرق انطفأت شمعة حياته إثر حادث أليم، أثناء عودته من عزاء لصديق مشترك (ذيب أبو خير) صاحب البسمة الدائمة والعمل الخيري في الخفاء، لتكون الضربة الثالثة بفقدان الأستاذ مدحة عكاش صاحب صحيفة ومجلة (الثقافة) منذ عام 1958 إذ نادراً ما لمع اسم كاتب في سورية وربما خارجها إلا وكانت أحرفه الأولى في مجلته وصحيفته، وبعد الفاجعة الكبرى في الأزمة التي ألمت بوطني فقدنا الكاتب آصف عبد الله المنسجم مع ما يكتب والمنسجم مع شعره وأدبه…عدا الأصدقاء الذين فقدناهم في التفجيرات التي نالت من شعبنا في الأحياء، مثل معين مكنّا وسعيد عماد وزهور حي التضامن من الشباب من آل الشوفي والسلامة وصياغة وغيرهم الكثير، لكن ما أشعرني بالحزن كثيراً أنني وقفت في مقر نقابة الفنانين في دمشق لألقي كلمة الأصدقاء في تأبين الفنان الكبير والملحن اللطيف والمطرب الأنيق فوزي عليوي الذي ترك في روحي الكثير من الحزن والدموع التي لم تزل تذرف على صداقته…لعل هذه الشارة السوداء لم تجعلني أعيش شهراً دون عناء، حتى أفقدتني معلمي وأستاذي الناقد والباحث الموسيقي صميم الشريف، الذي كنت وإياه نعيش لحظات الفرح والسعادة، حتى حين فقدت أبي وأمي كان الأمل والحنان اللذين رأيتهما في عينيه، وظل يناديني بما أحب أن ينادي من يحب: (يا تلميذي)، وهو المشرف على عملي الأول المعنون (فهد بلان الفنان الإنسان)، حتى كتب مرة ونشر بإحدى الوسائل الإعلامية أنني أتماهى معه بما يراه في الموسيقا من نقد وتاريخ موسيقي.. وها هي ذي اليوم توضع هذه الشارة على أحد أعلام النقد الأدبي في سورية، وعضو اتحاد الكتاب العرب وأستاذ الأدب الحديث في جامعة دمشق الأستاذ الدكتور خليل الموسى، الذي نافت مؤلفاته على عشرين كتاباً.. حقاً كم هذه الشارة السوداء تحمل من الظلم للأصدقاء لتكون على زاوية صورهم وتجعل عيوننا تذرف دموعاً وقلبنا ممتلئ حزناً عليهم.

العدد 1105 - 01/5/2024