بَطلٌ من سورية في سجلِّ الخالدين.. سليمان الحلبي

لم يتوقّف الصراع بين تيار الباطل وتيار الحق منذ صدر التاريخ، وقد عانت (منطقتنا العربية) الأمرّين من سطوة الاحتلال والغزوات على مسيرة التاريخ.

ما بين عامي 1798 و1801 تُعرّض القطر المصري الشقيق لغزوة فرنسية في عهد نابليون بونابرت لاحتلال مصر، وجعلها مستعمرة فرنسية، وكان الجنرال كليبر قائداً للجيوش الفرنسية في مصر، وحاكماً مطلقاً على مصر.

وقد أذاق كليبر وزبانيته الشعب المصري صنوفاً من الهوان والقهر والذل، دمّر صروح العلم في مصر، لتدمير ثقافة الشعب المصري، وقوّض جامعة الأزهر التي كانت من أكبر جامعات العلم في الوطن العربي، وكان البطل سليمان الحلبي قد تلقى علومه في تلك الجامعة.

كانت فعلة كليبر هذه، الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وحرّضت في ضمير سليمان الحلبي جذوة التضحية من أجل الحريّة.

سليمان الحلبي.. سوري الجنسية من مواليد عام 1777 مسقط رأسه في قرية كوكانْ فوقاني (الجَزْرُونِيَّة)، التابعة لمنطقة عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب في سورية.

ما إن بلغ سليمان العشرين من عمره حتى أرسله أبوه في عام 1797 إلى مصر (القاهرة) ليتلقى العلوم الإسلامية في جامعة الأزهر، فاستقرَّ في (رواق الشوام) المخصص لأبناء بلاد الشام للسكن وإقامتهم.

تتلمذ على علم الشيخ أحمد الشرقاوي، الذي كان أحد المناضلين الذين خططوا وشاركوا في ثورة القاهرة الأولى عام 1798.

وقد انتقم كليبر من انطلاق شرارة الثورة من جامعة الأزهر بأن قصف الجامعة بالمدافع، واقتحمها بخيول جنوده، وقبض على ستة من شيوخ الأزهر بينهم الشيخ أحمد الشرقاوي، اقتيدوا مكبلين بالأصفاد إلى القلعة، حيث ضُربت أعناقهم جميعاً، وضاعت آثار جثثهم.

لم يجد سليمان الحلبي بعد كل الذي جرى في مصر وفي جنوب فلسطين من غزوة نابليون المسعورة على الوطن العربي، غير أن ينبري للتصدي، مكرّساً بالفعل، حقيقة وحدة الشعب العربي كلّه تحت عباءة القومية الواحدة.

خرج سليمان الحلبي من سورية متوجّهاً إلى مصر عن طريق القدس، ومنها إلى غزّة، ثم إلى القاهرة.

في 15 حزيران من عام 1800 توجّه سليمان الحلبي إلى منطقة (بركة الأزبكية)، ودخل حديقة القصر، وما إن أقبل الجنرال كليبر يتمشّى، وبرفقته كبير المهندسين الفرنسيين  قسطنطين بروتاين، حتى انقض على الجنرال وطعنه في بطنه ووجهه أربع طعنات قاتلة، كما طعن قسطنطين بروتاين ست طعنات، وقد أُلقي القبض عليه، وبعد محاكمة صورية حكم عليه بالإعدام (خوزقة).

وقد حكم على كل من أحمد الوالي، ومحمد، وعبد اللّه الغزي وهم من الفلسطينيين، بالإعدام بقطع رؤوسهم، على اعتبارهم متسترين على سليمان الحلبي، ونيّته في قتل الجنرال كليبر.

في تمام الساعة 30,11 من صباح يوم 28/6/،1800 نفّذ حكم الإعدام بالفلسطينيين الثلاثة أمام سليمان، وأحرقت جثثهم حتى التفحم، ثم غُرِزَ وتد الخازوق في مؤخرة سليمان الحلبي فوق تل حصن المجمع (تل العقارب)، وبقي جثمانه على الخازوق عدة أيام..

دفن الجنرال كليبر في موضع قريب من (القصر العيني) في القاهرة، حيث وضعت جثّته في تابوتٍ من الرصاص لفَّ بالعلم الفرنسي، وفوق العلم السكين التي قُتل فيها.

وقد خصص في إحدى قاعات متحف (أنفاليد) في فرنسا، مكان لجمجمة الجنرال كليبر، ولوحة كُتب عليها: ( جمجمة البطل الجنرال كليبر)، وعلى الرفّ الأدنى وضعت جمجمة سليمان الحلبي، ولوحة كُتب عليها: (جمجمة المجرم سليمان الحلبي)..

سليمان الحلبي (السوري).. قدّم حياته على مذبح الأمّة العربية الواحدة، ومن أجل رسالتها الخالدة، وقيّد في صفحة الخالدين.

العدد 1107 - 22/5/2024