ما هي خراسان؟

ثمة جزء من دفاع واشنطن القانوني عن انتهاكها للسيادة السورية بشن ضربات جوية ضد أهداف داعش على الأرض السورية، هو الدفاع عن النفس ضد جماعة خراسان، وهي منظمة لم يلفظ المسؤولون الأمريكيون اسمها إلا مؤخراً، والتي يقول متمردون سوريون إنهم لم يسمعوا باسمها، والتي يبدو أن لا وجود مستقل لها عن فرع القاعدة في سورية. جبهة النصرة التي تتعاون عسكرياً مع المتمردين الذين توجههم وكالة الاستخبارات المركزية سعياً إلى قلب الحكومة القومية العلمانية في سورية.

في 20 أيلول عبّر مسؤولون أمريكيون علناً عن قلقهم بشأن جماعة خراسان التي وصفوها بأنها فرع لجبهة النصرة. أخبر مسؤولون أمريكيون الصحفيين أن (خراسان برزت في العام الماضي كخلية في سورية، وقد تكون الأكثر تصميماً على ضرب الولايات المتحدة أو منشآتها الخارجية بهجوم إرهابي).

وفي 23 أيلول أعلن نائب مستشارة الأمن القومي بن رودس أن خراسان (لديها طموح واضح جداً ومحدد في إطلاق عمليات خارجية ضد الولايات المتحدة أو أوربا). وأضاف: (هناك تآمر فعلي يجري في سورية). وقال رودس إن الضربات الجوية في 23 أيلول التي نفذتها الولايات المتحدة وديكتاتوريات عربية متوجة كانت (تستهدف تعطيل ذلك التآمر) جزئياً.

ولإعطاء غطاء شرعي لانتهاكها للسيادة السورية، أعلنت الولايات المتحدة أنها تعمل بطلب من الحكومة العراقية بالارتباط بحق العراق في الدفاع عن نفسه ضد عدوان داعش، لذلك فإن أعمالها متناسقة مع ميثاق الأمم المتحدة. وأصرت واشنطن على أن الضربات الجوية متطابقة أيضاً مع القانون الدولي، لأنها قضية دفاع عن النفس ضد جماعة خراسان التي قيل إنها تتآمر ضد الولايات المتحدة. لكن واشنطن رفضت التنسيق مع الحكومة السورية ورفضت البحث عن موافقتها على تنفيذ ضربات جوية على أرضها.

على الرغم من إشارة واشنطن أيضاً إلى خراسان كجماعة مستقلة بمعزل عن جبهة النصرة، يبدو أنه لا يمكن تمييزها عن الأخيرة. القائد المزعوم للجماعة محسن الفضلي عنصر فعال في القاعدة منذ زمن طويل، وبما أن جبهة النصرة هي الفرع الرسمي للقاعدة في سورية، يستنج أن الفضلي يعمل مع جبهة النصرة، إضافة إلى ذلك أقر مسؤولون أن خراسان وجبهة النصر (متداخلتان).

كان مجلس الأمن الدولي قد انتقد في الصيف الماضي كلاً من جبهة النصرة وداعش، بسبب الانتهاك الفادح والمنهجي والواسع لحقوق الإنسان، ومع ذلك لم تعلن الولايات المتحدة رسمياً جبهة النصرة هدفاً لمهمتها، بل أعلنت أن هدفها إضعاف داعش وتدميرها نهائياً، وهذا يظهر أن حماية حقوق الإنسان لا تشكل جزءاً من أساس حملة الولايات المتحدة ضد داعش، على الرغم من عبارات القلق بشأن محنة الإيزيديين والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

مطامح جبهة النصرة محدودة بسورية، وهدفها المباشر في إسقاط الحكومة القومية العلمانية ينسجم مع أهداف الولايات المتحدة، وعلى النقيض من ذلك، توجد لدى داعش مطامح جغرافية أوسع تصطدم مع هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط، خصوصاً سيطرتها غير الرسمية على نفط العراق، ولتعارضها مع مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة أصبحت داعش هدفاً للحملة العسكرية الأمريكية، أما جبهة النصرة التي تعمل (في الوقت الحالي) في اتجاهات تتفق مع أهداف الولايات المتحدة في سورية، فيجري تجاهلها على الرغم من أن سجلها في مجال حقوق الإنسان بائس وهمجي مثل داعش (مثل الولايات المتحدة. انظر شهادة الجنود الأمريكيين حول سلوك القوات الأمريكية في فيتنام والعراق لرؤية أن الهمجية ليست حكراً على داعش وجبهة النصرة).

ومع ذلك ضربت الطائرات الحربية، والطائرات من دون طيار، قواعد عديدة ومستودع ذخيرة يعود لجبهة النصرة، وفقاً لصحيفة (نيورك تايمز)، وقتل نحو خمسين من مقاتلي النصرة.

لماذا هاجمت الولايات المتحدة أهدافاً لجبهة النصرة؟ هل توجد خراسان حقاً كجناح للفرع السوري للقاعدة؟ هل كانت تتآمر لشن هجمات ضد أهداف غربية؟ هل كانت الضربات الجوية الأمريكية موجهة خصيصاً إلى هذا الجناح؟

على أية حال، اعترض قائد جماعة متمردة تحت سيطرة الولايات المتحدة على ضرب أهداف بحجة أن الفرع السوري للقاعدة (شريك مخلص في المعركة ضد القيادة السورية). وأشارت تقارير صحفية عديدة إلى متمردين مدعومين من الولايات المتحدة يتعاونون مع القاعدة في سورية. وجادل مراقب مخضرم أنه لا يوجد جدار فاصل بين (حلفاء أمريكا من المعارضة المعتدلة المفترضة) من جهة، وداعش وجبهة النصرة من الجهة الأخرى.. كلهم حركة واحدة لا يوجد منها جزء علماني، وكل أجزائها، ومن ضمنهم المتمردون (المعتدلون) إسلامية بأغلبيتها الساحقة.

إذا كانت جبهة النصرة شريكاً مخلصاً للمتمردين المدعومين أمريكياً، فهذا يعني أن زعيم خراسان المزعومة محسن الفضلي كان جزءاً مهماً من حرب واشنطن ضد الحكومة السورية، ووفقاً لصحيفة (وول ستريت جورنال) كان الفضلي مقرباً من أسامة بن لادن (ممولاً للقاعدة وقدم لها مساعدات كبيرة)، و(لديه شبكة واسعة من المانحين الجهاديين الكويتيين الذين أرسلوا النقود إلى سورية عبر تركيا).

وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية الأمريكية تقصف أهداف جبهة النصرة، وكان المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة يعترضون على الهجمات الأمريكية ضد شريكهم الوفي من القاعدة، تدخلت إسرائيل بالنيابة عن جبهة النصرة لإسقاط طائرة حربية كانت تهاجم مواقع النصرة على مرتفعات الجولان الموجودة تحت السيطرة السورية، وقد استولى مقاتلو القاعدة على معظم هذه الأراضي.

يبدو أن إسرائيل لم تستطع إضاعة فرصة مد يد المساعدة للقاعدة، إذا لم نذكر حلفاء ملائمين غربيين وعرباً للقاعدة، في معركة ضد حكومة يشجبها كل هؤلاء لأسبابهم: إسرائيل لأن حكومة الأسد معادية للصهيونية، القاعدة وتركيا لأنها علمانية، الولايات المتحدة وديكتاتوريوها العرب الدمى لأنها قومية وترفض الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي تحت الهيمنة الأمريكية.

ولكن سورية المدعومة من روسيا والصين وإيران وحزب الله، تقف ضد نادي الإمبرياليين، بقيادة أمريكية، وعملائهم العرب أعداء الديمقراطية، وضد نظام صهيوني استعماري استيطاني، وضد متعصبين إسلاميين يلقبون أنفسهم بوقاحة أصدقاء سورية، لكنهم في الواقع أعداء العلمانية والاستقلال الوطني.

 

عن مجلة (ليبريشن) الأمريكية

العدد 1104 - 24/4/2024