واقعياً لا نخبوياً

 من خلال قراءتي لمشروع التقرير السياسي الذي نشره الحزب والمقدم للمؤتمر الثاني عشر، أجد أن التقرير لم يكن نخبوياً أو أكاديمياً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل تقريراً لامس هموم الوطن والمواطن، موضوعياً في طرحه ومبدئيته، حدّد ما تعانيه بلادنا بكل صدقية ومسؤولية.

في المقدمة التي غلبت عليها الصيغة الأدبية، لا أجد ضرورة لجملة (شام شريف) لما لها من مدلول عثماني نحاول نسيانه..

حدّد التقرير العوامل الحقيقية للأزمة، فقد بيّن عواملها الداخلية وانعكاساتها على الاجتماعي والاقتصادي وأرجعها لسنوات مضت، وليست وليدة اللحظة، وطالما نبّه الحزب لذلك في منشوراته. الأكثر من ذلك لم يخضع الحزب مواقفه من الأزمة وتطوراتها للمزاج المتغير والمتبدل، حسب حرارة الأحداث وتبدلاتها الداخلية والخارجية، رغم الضغوط التي مورست تجاه الحزب وأعضائه لتغيير مواقفه، بل بقيت مواقفه ملتزمة باعتبار الدولة ومؤسساتها هي الخط الأحمر، وعدم المساس بذلك هو الضرورة الوطنية بحد ذاتها، معتبراً الجيش العربي السوري هو الأداة الشرعية والوحيدة المخولة بحمل السلاح للدفاع عن الوطن والمواطن، لكن الحزب لم يكتف بذلك، بل سلط الضوء على الممارسات السلبية كالاعتقال العشوائي والتعذيب والعنف المفرط غير المبرر تجاه المدنيين السلميين.

معارضة المعارضات

لا أجد ضرورة لاعتبار وجود المعارضة السياسية أمراً حتمياً، كما وردت في التقرير، الأفضل أن نقول: وجودها ضروري وطبيعي ويجب حمايتها وفق القوانين. هنا أجد من الضروري توضيح مفهوم المعارضة من وجهة نظري الخاصة، فكثيراً ما اختلطت التسميات بين معارضة الداخل والخارج.. تحليلات، مقالات.. آراء مختلفة، حاول البعض من المعارضين الغرق في التفاصيل، والاختباء خلف النصوص أو غبار الأحداث، دون توضيح المواقف أو تمييعها، لعله يستطيع محو الذاكرة، لما فعلوه من مواقف اتخذوها.

للتوضيح، رفعت بعض أطياف المعارضة شعار اسقاط النظام، ورأى بعضها الآخر أن المناخ غير صحي للحوار، ويجب تهيئة ظروف مناسبة له، وأن (السلفية والتعصب والطائفية هي مجرد أكاذيب اعتمدها النظام وسيلة للتعمية على الوجه الإنساني للثورة المنفتح على الحياة والمؤمن بقيم التسامح).

ما ذكرته ليس لنكء الجراح بقدر تسليط الضوء على بعض المواقف التي أجدها متسرعة، طبعاً تطور الأحداث غيّر مجرى هذه المواقف، لكن ما يهمني من كل ما حدث خلال سنوات الأزمة الكارثة، أن الفكر والمنهج هو المضمون وليس تعدد الأسماء. بالمختصر كانت دعوة المعارضات السورية تبدأ من الدعوة إلى اللبرلة في الاقتصاد للتقاطع مع دعوات التفكك والاستنجاد بالخارج، إلا البعض في الداخل السوري الذي امتازت بعض مواقفه بالتردد!

إنها بلا شك فكر الإخوان المسلمين وكل مشتقاتهم وعقيدتهم، إنها عقيدة (اقتل من ليس معك).. إن ذاكرتي تختزن آلاف الصور القبيحة عن هؤلاء الملتحين الثائرين على كل ما يمت لانتماء الدولة بصلة، فقط الانتماء للقتل والفوضى والسرقة وإقامة (شرع الله) وفق منظورهم المتطرف الإقصائي لإقامة خلافة إسلامية فاشية.

إذاً، لنحدد ما هي المعارضة السياسية في أي بلد.. إن الوقائع تدل وتشير بوضوح أن المعارضة في أي بلد تختلف مع السلطة أو النظام الحاكم في الأسلوب وطرائق التغيير السلمي، لكن تتفق في الأهداف العامة، أما أن تقدم المعارضة نفسها نقيضاً للسلطة في كل شيء وتطالبها بالتسليم أو الإسقاط كشرط أولي، ناسية أو متناسية الفوضى التي ستعم أو متناسية مطالبتها بالديمقراطية والحرية، فهذا فعلاً أمر غريب.. والسؤال: هل نريد إباحة العمل السياسي والاجتماعي على أسس طائفية بدلاً من تحريمه وتجريمه؟ أليس الذهاب للحوار وصياغة قوانين عصرية دستورية لقيام دولة مدنية ديمقراطية هو الصواب؟ كيف لنا أن نثق بإرهابيين قتلة تكفيريين كطرف سياسي معتدل، بعض هؤلاء المعارضين استنجد بإسرائيل والبعض اعتبر (النصرة) طرفاً معتدلاً؟ نحن بحاجة إلى معارضة وطنية تحافظ على بنى الدولة ومؤسساتها، تؤسس لمفهوم الدولة وسيادة القانون، ترسخ أخلاقيات العمل السياسي والمبدئي، لا تسعى إلى تدوير الزوايا، معارضة تدرك أن التفاوض مع من رفع السلاح بوجه الدولة خيار خاطئ، معارضة توضح وتقول وتفرق بين الإسلام السياسي المتطرف وقيم الإسلام والأديان الأخرى السمحة، معارضة لا تتذبذب في مواقفها حسب حرارة الأحداث، لا أن تتفاعل مع بعض القوى الميدانية المتطرفة ثم تتبرأ لموقف نقدي خجول للمسلمين، لذلك وباعتقادي كل أطياف المعارضة لم تستطع تقديم برامج حلول سياسية للأزمة، يرتقي للبرنامج السياسي لحل الأزمة الذي قدمته الحكومة السورية عام 2013.

فالمعارضون المحللون الذين رفعوا السلاح بوجه الدولة، لم يكونوا سوى رأس جسر لمقاتلين خارجيين، يحظون بالدعم الاستخباراتي والتسليحي والإعلامي، أدخلوا حثالات العالم وتحالفوا معها، ولم يدركوا أن (الثورات)  تحتاج إلى الأخلاق والمبادئ، تحتاج إلى طمأنة كل مكونات المجتمع، لا التحريض والتهجير، وبالتالي أصبح هؤلاء المعارضون أسرى قرارات وسيطرة هؤلاء الذين أتوا من خارج الحدود، فلا أمير شرعي ولا سلطة إلا من الخارجين الإرهابيين.

أتوقع في الأيام المقبلة تراجع المد الفكري الأصولي التكفيري، وهذا يحتم على كل القوى الوطنية، وقوى المجتمع المدني، فضح هذا الفكر الإقصائي، وتعزيز قيم المواطنة والعلمانية، فالقادمات من الأيام يجب أن لا يحجز الإخوان المسلمون ومشتقاتهم من الأحزاب الطائفية أي مكان في الحياة السياسية لسورية، وهذه مهمة القوى الوطنية والتقدمية.

ما ذكرته لا يحيط بالموضوع (المعارضة) بأشكالها المختلفة، ربما يسلط الضوء ولو قليلاً بأن التغيير العنفي ورفع السلاح بوجه الدولة لن يؤدي إلا إلى الكوارث، فالعمل السياسي السلمي وضمن الأطر القانونية والدستورية لكل أطياف المجتمع بل مكوناتها هو الطريق السليم للتغيير، وهذا ما فعله حزبنا خلال الـ91 عاماً، فقد خلا تاريخه من أية ظاهرة عنفية في مجمل علاقاته السياسية، مع سائر مكونات العمل السياسي الداخـلي والخارجي وكان هدفه الأول والأخير هو حماية الوطن والمواطن، وسورية لكل السوريين.

العدد 1105 - 01/5/2024