بعض الملاحظات على مشروع التقرير السياسي

 قبل إيراد الملاحظات لا بد من الإشادة بمشروع التقرير المقدم إلى المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد بشكل عام، وبجهود الرفاق الذين أسهموا في إعداده وصياغته، إذ يعتبر هذا المشروع أهم وأفضل وثيقة عن الأزمة السورية من بين كل ما كتب عنها أو يمكن لأحد ما مطالعته عنها حتى الآن، وبامتياز، فهي قراءة سياسية تحليلية جدلية عميقة لأزمة مركبة بجانبيها الموضوعي والذاتي، الخارجي والداخلي، عوامل نشأتها، مسار تطورها، نتائجها الحالية، موقف الحزب منها، التجاذبات والقوى الداخلية والإقليمية والدولية المتداخلة والمتصارعة فيها.. إلخ ومع ذلك، ومادام المشروع مطروحاً للنقاش، فلدي بعض الملاحظات الضرورية عليه:

أولاً– افتقر مشروع التقرير إلى موقف صارم من بعض النخب المثقفة التي عرفت تاريخياً بهويتها الماركسية وتحولت إلى أدوات مأجورة في المشروع الصهيوأمريكي وأسهمت في تضليل شعبنا وشوهت الرسالة الإنسانية والنضالية للماركسية، وكذلك صورة اليسار السوري عموماً أمام جماهير شعبنا، وكان من الضروري أن يهتم مشروع التقرير بفضح حقيقة هؤلاء المرضى وتعريتهم والرد على الدعاية التي رُوجت بسببها مقولات مثل (الجناح الإسلامي للحزب الشيوعي السوري) وغيرها.

ثانياً– افتقر مشروع التقرير إلى التركيز على الجانب الثقافي من أسباب الأزمة ولم يتوسع بما جاء مثلاً في الصفحة 4 عن بيئة متخلفة حاضنة للتيارات السلفية، إذ لا تكفي الإشارة إلى التضييق الأمني على الحياة السياسية رغم أهمية ذلك، فالسياسة، نعم، هي جانب هام من ثقافة المجتمع لكن الجوانب الأخرى، الفنون والآداب والدراما والمسرح وغيرها، ليست أقل أهمية وخاصة بسبب الجنوح الذي أصاب هذه الجوانب نتيجة غزو العولمة الثقافية الأمريكية وما تركته من توتير مرتفع للنزعات الدينية الرجعية المتطرفة وما شكّلته من خطورة بالغة على الوعي المجتمعي، كما أن هناك آثاراً أكبر تركها فشل وزارتي التربية والثقافة في تكريس وعي المواطنة والمدنية لدى الأجيال السورية المتعاقبة، مما يستدعي المطالبة بأن تحل محل مادة التربية الدينية في المناهج التعليمية مادة خاصة بالارتقاء بوعي الطلبة وتحريره من الإرث الديني القاتم والثقيل الذي شكل نوعاً من الاستبداد الاجتماعي، وبات منع استباحة هذا الوعي بشتى أشكال التغييب الأسطوري ضرورة لا تحتمل التأجيل.

ثالثاً– ورد في الصفحة 5 أن الحراك الشعبي في سورية سرعان ما جرى استغلاله من قبل مجموعات دينية أخذت تطبعه بصبغتها.. إلخ. والحقيقة أن هذه الرؤية التي ركزت عليها مجموعة مقالات نشرتها مجلة الطريق (في عدديها 1 و،2 صيف 2011 وشتاء 2012) جرى تجاوزها وفات أوانها وتضاءلت أمام سيل الوثائق ذات المصداقية التي تراكمت منذ ذلك التاريخ، والتي تؤكد وقوف جماعة الإخوان المسلمين مدعومة بأجهزة الاستخبارات الغربية والصهيونية والتركية والعربية الرجعية وراء الدعوات للتظاهر في سورية، وهي التي أدارت الحراك منذ لحظاته الأولى وهي صاحبة النسبة الكبرى في الشارع، فهي بالنسبة للحدث السوري لم تدخل متأخرة لتركب الحراك كما حدث في تونس ومصر بل هي محركه الأساسي، ولم يكن الشبان ذوو الميول المدنية والذين لديهم مطالب محقة ومشروعة سوى واجهة تلطّت وراءها الجماعة لكسب الشعبية واستغلال استياء الجماهير وعفويتها وتضارب المصالح الطبقية لغايات لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بالحرية ولا بالعدالة الاجتماعية.

رابعاً– ورد في الصفحة 16 أن النشاط الفكري والإعلامي والجماهيري للحزب لم يرتق بشكل عام إلى مستوى الموقف السياسي وأن تنفيذ هذه المهمة قد شابها القصور لأسباب أمنية وذاتية ينبغي دراستها ومعالجتها.

نعم، هذا صحيح تماماً ولكنه ليس لمجرد نقد الذات كواجب تعودنا أن نمارسه، إنما تحتل قضية الخلل بين الموقف السياسي والممارسة السياسية موقعاً هاماً بين الأولويات، فقد تركت هذه القضية آثارها السلبية وبدا ذلك في العجز عن تمثل اللحظة التاريخية الحاسمة والتعبير العملي عنها في الصراع من خلال غيابنا كحزب عن المعالجات السياسية في كل من جنيف وموسكو رغم أننا أول من طرح الحل السياسي، ومن خلال غيابنا عن جبهات قتال الإرهاب التكفيري رغم أننا من أوائل الداعين إلى محاربة هذا الإرهاب بكل الوسائل الممكنة، ومن خلال تقاعسنا عن العمل من أجل جبهة ثقافية واسعة الطيف لمواجهة الفكر والثقافة التكفيريين رغم أننا دعونا إلى ذلك في عدة رسائل سياسية سابقة داخل الحزب وعلى صفحات جريدة (النور). لذلك فإن معالجة ذلك الخلل، وهي ضرورة، ستوفر النجاح لتنفيذ المهام الملقاة على عاتق الشيوعيين، كما وردت في مشروع التقرير السياسي

العدد 1105 - 01/5/2024