أبو علي الذي رحل

 حطَ الموت رحاله في الأسبوع الفائت عند رفيق لنا كان يكره الموت ويحب الحياة، ويرى فيها كل ما يستحق أن يحيا من أجلها الإنسان. إنه الصديق الصدوق في علاقة مستمرة منذ ما يقارب خمسين عاماً، لم تهتز تلك الصداقة أمام المحن السياسية التي عصفت بالبلاد طيلة تلك الحقبة من الزمن، ولا أضاعتها خلافات حزبية كانت تنشب أحياناً، ثم تنكفئ لنرى بعضنا في المكان الصحيح ولو بعد حين.

كان يمتاز بأنه كان يقيم أواصر المحبة مع الجميع، بصرف النظر عن اتحاهاتهم السياسية، فكانت متعته الحقيقية أن يعقد لقاءات واجتماعات مع الأصدقاء، وعندما غادر مصرف سورية المركزي الذي عمل فيه عشرات السنين، كان همّه الأساسي بعد إحالته إلى التقاعد أن يحافظ على الصداقات الشخصية والسياسية التي أقامها طوال تلك الفترة، وهي عديدة عديدة، يرى فيها المرء صورة المجتمع بكامله.

ولكن ذلك كان يجري لخدمة مبادئه الاشتراكية العلمية وحزبه الشيوعي الذي عمل في صفوفه نصف قرن.

كان مناضلاً نقابياً جماهيرياً بكل معنى الكلمة، واحتل مواقع قيادية عدة في الحركة النقابية السورية، ولم يترك شاردة ولا واردة من قضايا العمال إلا كان يتبناها، ويقودنا، نحن الفرقة الحزبية في المصرف ويدعونا إلى إيجاد أشكال جديدة للنضال من أجلها. كانت الروح الطبقية تغمر قلبه، فهو واحد من الكادحين الذين يدهسهم قطار الغلاء الوحشي، فاضطر للعودة إلى حيث نبت وترعرع في السلمية، ليتدارك متطلبات تربية أولاده وأحفاده بعمل حرفي صغير في حرفة التجارة، لكن قلبه بقي في دمشق التي أحبها حبه للسلمية.

وبقدر ما كان طبقياً كان وطنياً، وفي نكسة حزيران 1967 ارتدى الملابس العمالية الموحدة آنذاك، وحمل بندقية وسار مع مجموعة من الرفاق والنقابيين في الجيش الشعبي، إلى حيث يدور القتال.

يموت حسين القصير (أبو علي)، ويبقى في قلبي غصة على فراقه، فقد مات وهو عاتب عليَ، لأنني لم أتمكن من زيارته في السلمية بالفترة الأخيرة. لكنني أُودِعُكم، أيها الرفاق الأعزاء في منظمة سلمية، ويا أم علي وأولاده وأحفاده، ذكراه الطيبة ودروس عمره الناصعة البياض.

 

العدد 1104 - 24/4/2024