حول مقابلة الرئيس الأسد مع مجلة باري ماتش

باري ماتش: يقول الكثيرون إن الحل في رحيلكم. هل تعتقدون أن رحيلكم هو الحل؟

 الرئيس السوري الأسد: ماذا كانت النتيجة (للسياسة الفرنسية عبر الهجوم على القذافي؟) حصلت فوضى بعد رحيل القذافي. هل تحسنت الأوضاع وأصبحت ليبيا ديمقراطية؟

أخبر الرئيس السوري بشار الأسد محاوره من المجلة الفرنسية باري ماتش أنه لن يتنحى. لا لأنه يريد البقاء رئيساً، بل لأنه (لن يقبل أن تكون سورية دولة دمية للغرب).

لا يمكن أن ننبذ بسهولة الرأي القائل إن سورية تتعرض للهجوم لأنها ليست دولة دمية للغرب، وإن واشنطن تريد أن يتنحى الأسد لجعلها كذلك. يوجد الكثير من الأدلة على أن الدول التي تتطلع إلى البقاء مستقلة عن وصفات الولايات المتحدة حول كيفية تنظيم اقتصادها وسياستها الخارجية هي مستهدفة بشكل استثنائي بحرب دون الحاسمة (عقوبات وتخرب وأبلسة وعزلة ودبلوماسية) أو بتدخل عسكري سافر، عندما يكون النصر العسكري مضموناً مع إفلات المعتدي من العقوبة.

يقود الأسد دولة نشأت على العداء للاستعمار والإمبريالية وعلى القومية العربية والاشتراكية غير الماركسية، غير خاضعة لسيد إمبريالي، ولا تضع مصالح جامعي الأرباح من المستثمرين الأجانب قبل التنمية الاقتصادية لسورية. تشتكي وزارة الخارجية الأمريكية من أن (أسباباً إيديولوجية) تمنع الأسد من (لبرلة) الاقتصاد (أي جعله مربحاً للمستثمرين الأجانب)، في حين تشير دراسة عن سورية في مكتبة الكونغرس الأمريكي باستنكار إلى (البنية الاشتراكية) للحكومة والاقتصاد السوري.

أما حكام ممالك الخليج، الحصون الثيوقراطية الأخيرة في العالم، فيواصلون الحكم تحت وصاية الولايات المتحدة. تبرز العربية السعودية، وهي دولة تافهة بشكل خاص، في مقتها لحقوق الإنسان الأساسية (مثل السماح للنساء بقيادة السيارات) وولعها بقطع رؤوس المجرمين وحماستها في نشر الصيغة المتشددة للإسلام من القرن الثامن عشر التي تنطلق منها إيديولوجية داعش.

وبالنسبة لتركيا، فإنها تواصل دعم داعش، مع البقاء حليفاً مهماً للولايات المتحدة.

الدرس واضح: اخلق مناخاً جيداً للاستثمار الأجنبي، كن سوقاً لصناعة الأسلحة الأمريكية، حوّل مواردك إلى الغرب وتعاون مع الجيش الأمريكي، وعندئذ تستطيع قتل مقدار ما تشاء من شعبك وتقاوم الديمقراطية طوال ما تشاء وتدوس بمرح حقوق الإنسان. فقط لا تصر على أن يعمل اقتصادك لمصلحة شعبك.

أما الدول التي تصر على غربلة الاستثمار الأجنبي وإدارته فتصبح عرضة لهجوم بروباغندا ينفذه بحماسة مسؤولو الدول الغربية وحجرات صداهم الإعلام الغربي، وهو برغم كل شيء بيزنس واسع، مع توجه مؤيد للبيزنس الذي يفضل طبعاً الدول التي تفضله وتفضل حلفاءه الطبقيين.

وفقاً لنظام البروباغندا هذا تصبح الدول المزعجة (أنظمة) لديها (شرطة سرية) (مقابل وكالات الأمن الغربية). ويصبح أعضاء الحكومة (موظفي النظام) أو (أصدقاء) القائد.

وإذا كانت الدولة كبيرة بما فيه الكفاية يكون لديها (توابع) مقابل (المصالح الاستراتيجية) و(حلفاء) الولايات المتحدة.

لم يتحمل الأسد أياً من ذلك في مقابلته مع باري ماتش. عندما وصف ممثل المجلة الحكومة السورية بـ (نظام) رد الأسد: (لنتفق على المصطلحات أولاً. في سورية يوجد لدينا دولة، لا يوجد لدينا نظام).

واجه الرئيس السوري عدداً من الأسئلة العدائية، حول ما إذا كانت سورية تدعم داعش لإضعاف المعارضة، وفيما إذا كان الجيش السوري يستخدم غاز الكلور ضد خصومه، ولماذا يشجب الضربات الجوية الأمريكية في سورية ويرى أنها غير شرعية، في حين تساعد القوات السورية (وهي لا تفعل ذلك وفقاً للأسد)؟

سئل كيف يرد على الادعاء بأن سورية شجعت صعود المتطرفين لإسلاميين لتقسيم المعارضة، أجاب الأسد: (إذا افترضنا أن هذا الكلام صحيح، أننا نحن من دعمنا (داعش). هذا يعني أننا طلبنا من هذه المنظمة أن تقوم بالهجوم علينا.. أن تهاجم المطارات العسكرية، وتقتل المئات من العسكريين وأن تحتل مدناً وقرى. أين المنطق في ذلك؟).

(يغفل السؤال الواقع الذي لا جدال فيه وهو أن تمويل التطرف الإسلامي يأتي من دول الخليج وتركيا، وأن إيديولوجية داعش وجبهة النصرة، القوتين المتمردتين الرئيستين في سورية نشأت في العربية السعودية، وقد استخدمت القوى الغربية المتطرفين الإسلاميين لعقود حلفاء ملائمين لتقويض الحركات الوطنية العلمانية ومهاجمة الدول الشيوعية والاشتراكية والقومية العربية).

أخبر الرئيس السوري باري ماتش أن الضربات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة وحلفاؤها لم تفعل شيئاً لإضعاف داعش بأية طريقة ذات معنى. قال: (نحن من نخوض المعارك على الأرض ولم نشعر بأي تغير).

وفقاً لذلك، يرى أن (ضربات التحالف هي ضربات تجميلية) كـ (تكتيك من دون استراتيجية).

قال: (لايمكن أن تحقق نتائج على الأرض إن لم يكن هناك قوات برية ملمة بتفاصيل جغرافية المناطق وتتحرك معها بالوقت نفسه).

وصف الأسد الضربات الجوية الأمريكية بأنها (تدخل غير قانوني) شارحاً أنه (لم يغطّ بقرار من مجلس الأمن) ولم يفوض من قبل سورية.

سخر الرئيس السوري من الادعاءات بأن القوات السورية استخدمت الكلور مشيراً إلى أن الأسلحة التقليدية أكثر فاعلية، وأن سورية لديها أسلحة تقليدية، فلماذا إذاً تستخدم سلاحاً غير فعال إذا لم تكن مرغماً على ذلك؟

إن اتهام الغرب لسورية باستخدام الكلور له علاقة بحاجته لأبلسة دولة يؤذيها أكثر مما له علاقة بالواقع، بسبب الرأي الشائع عن الأسلحة الكيميائية بأنها مخيفة بوضوح وأن استخدامها لا إنساني.

مجموعة من التأكيدات الأخرى المشكوك فيها تنشأ في مخيلة كبار مسؤولي الدولة في الغرب، مثل وجود متمردين (معتدلين) في سورية.

يوجد في الحقيقة متمردون معتدلون في سورية، إذا عرّفنا الاعتدال أنه سهولة الانقياد للتوجيه من قبل واشنطن.

 

عن مجلة (بجاسك) البولونية

العدد 1107 - 22/5/2024