شاعر الشام… شفيق جبري

أديب كبير وشاعر قدير، وصف برجل الصناعتين، وما أظن ذلك إلا في عالم الأدب الواسع، وصنعتهُ الشعر التي تحتاج إلى التمكن والإبداع، إنهُ شفيق بن درويش بن محمد جبري. وبنو جبري من الأسر القديمة في دمشق، حسب منتخبات التواريخ لدمشق، والسبب في إطلاق لقب آغا على والده، أنهُ كان من أبناء الأغوات، وقد استقطب لأهل الترك إطلاقهُ على التاجر الوجيه المعروف بتدينه وصدق معاملته.

ولذلك فقد لحق لقب (بك) اسم الشاعر شفيق وبعض أفراد أسرته، من قبل كونهم موظفين في الحكومة، ومع ذلك فقد تخلى عنه شفيق، في وقت مبكر من حياته زاهداً فيه.

وُجد ميلادُه مدوناً على جلد مصحف، وهو ليلة الأربعاء في 19 كانون الثاني ،1897 هذا نقلاً عن مقدمة ديوانه (نوح العندليب). ودمشق هي مسقط رأسه، حيث ولدَ في بيت أثري قريب من الجامع الأموي، في زقاق يدعى الصوَّاف، بحي الشاغور.

يعد شفيق جبري ممن أثرَوْا الحياة الأدبية في سورية، فلهُ مشاركات مبكرة في بعض الجمعيات الأدبية، والكتابة الصحفية. فقد أنشأ مع جماعة من الأدباء، فيهم (خير الدين الزركلي) وغيره جمعية سموها الجامعة الأدبية برعاية الملك فيصل سنة ،1920 كما اشترك مع لفيف من الأدباء في إنشاء الرابطة الأدبية عام 1921 بعد أن أوقف الفرنسيون جمعية الجامعة الأدبية، التي تطرقت لنشر الأبحاث العلمية والتاريخية والأدبية التي تتصل بالأدب.

كما شارك في مهرجان إحياء ذكرى الشهداء الذين شنقهم جمال باشا السفاح عام 1916م، وكذلك مهرجان المتنبي في بيروت عام ،1935 ومهرجان المعري، ومؤتمر الأدباء العرب في بلودان، إضافة إلى إحياء عدد من المناسبات. وهذا الحضور الفاعل كان سبب لقبه (شاعر الشام) قبل أن يبلغ الثلاثين، وحريٌّ بنا أن نعرف بإنتاجه الأدبي ومؤلفاته الشعرية والنثرية، وأغلب ذلك إنتاجه النثري وهو داخل في الدراسات الأدبية والنقدية. أما الشعر فلهُ ديوان واحد سماه نوح العندليب، طبعه مجمع اللغة العربية بعد وفاته في عام 1984.

أما مؤلفاته النثرية المطبوعة فهي.. المتنبي مالئ الدنيا شاغل الناس، طبع عام ،1930 الجاحظ معلم العقل والأدب، طبع عام ،1932 العناصر النفسية في سياسة العرب، طبع عام ،1945 بين البحر والصحراء، طبع عام 1951م، دراسة الأغاني، طبع عام ،1951 أبو الفرج الأصفهاني، طبع عام ،1955 محاضرات عن محمد كرد علي، عام ،1957 أنا والشعر، عام ،1959 أنا والنثر عام ،1960 أنا والسحر، عام 1962.

أما كتبه المخطوطة، فهي: على صخور صقلية، يتضمن رحلته إلى أوربا. أفكاري، مجموعة مقالات ومحاضرات- دراسة عن شوقي- تفسير نصوص- كتاب صغير الحجم عن أناتول فرانس- رحلة إلى أمريكا- نوح العندليب (ديوانه الشعري)- أيضاً هناك محاضراته ومقالاته التي جمعها شفيق رؤوف كما ذكر ذلك عبد الله بن سليم الرشدي، وهي- محاضرات جامعة الكويت، ويوميات الأيام.

شفيق جبري هو من الشعراء الذين وقفوا مواقف حازمة في القضايا التي تمس وطنهم، فقد نددَ بالاستعمار التركي وأفعال جمال باشا السفاح الذي أعدم في (16 أيار 1916) عدداً من شهداء الحرية، كما حارب الاستعمار الفرنسي في مقالاته التي فيها يقول: الانتداب الفرنسي جثم على أرض الوطن بعبئهِ الثقيل، فكمَّ الأفواه، وقيدَ الحريات وقصفَ ودمرَ وحرقَ سوقاً قرب سوق الحميدية ما زال يُسمى حتى اليوم سوق الحريقة.

كما نادى بالحرية والحق والإنصاف والسلام متمماً الشعور الوطني، فقد كتب عن هزيمة ،1967 وأشار إلى نكبة 1948 الفلسطينية في موقف قومي جلي وفي ذلك يقول:(إننا معاشر أهل الشام نفضل الشعر الذي نرى عليه آثار القومية وآثار الوطنية).

وقد قال في قصيدته المشهورة (فرحة الجلاء) عام 1946:

يا فتيةَ الشامِ للعلياءِ ثورتُكمْ

وما يضيعُ معَ العلياءِ مجهودُ

جدتمْ فسالَتْ على الثوراتِ أنفسُكمْ  

عَلّمتمُ الناسَ في الثوراتِ ما الجودُ

وفي التجديد عند جبري، في شعره الوطني، وذلك في الوطن والمرأة والطبيعة، وحين يقول في الوطن..

أتبكي العنادلُ أوطانَها

ولا يندُبُ المرءُ أوطانَهُ

طوى الموت شاعر الشام وأديبها الكبير شفيق جبري في يوم الأربعاء 23كانون الثاني عام ،1980 بعد مرض أودى بحياتهِ.

أَبَّنَهُ اتحاد الكتاب العرب، وقد اشترك في التأبين عدد من محبيه وأصدقائه، وذلك بمقالات نثرية وقصائد شعرية. ومما رُثي به قصيدة لعباس الخليلي منها:

جُدْ يا شفيقُ بدمعِكَ الهتَّانِ

واشفِ الصدورَ بهِ منَ الأضغانِ

العدد 1104 - 24/4/2024