أهمية قطاع الصناعة في الاقتصاد الوطني

تكمن أسباب ضعف القطاع الصناعي عامة، في أنه أقل إغراء للمستثمرين من القطاعات الأخرى، لوجود بعض المعيقات، وصعوبة التنافس في ظل تحرير التجارة، وقد يزداد وضعه سوءاً إذا فتحت البلاد على مصراعيها أمام المنتجات الأجنبية دون أي ضوابط، وحرمت المنتجات الوطنية من أية حماية في ظل منافسة حادة غير متكافئة، كما كان قبل الأزمة.

هذه العوامل تساهم في عزوف رأس المال عن الاستثمار في القطاع الصناعي، وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن هذا القطاع لا يحقق الربح السريع كباقي القطاعات الأخرى! فذلك كله يقتضي ضرورة توسيع مساهمة الدولة لتشجيع هذا القطاع الهام والحيوي للاقتصاد الوطني. وقد لوحظ اختفاء المنهجية الاقتصادية في إعطاء أولويات للقطاعات الأساسية لدى توجه القطاع الخاص نحو الاستثمار، بسبب غياب التخطيط وعدم وجود سياسات عامة تسهم بتحقيق آفاق مستقبلية أفضل للاقتصاد الوطني. إن تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني، وتوسيع مصادر إيرادات الخزينة، والكف عن سياسة الاعتماد على التوسع الضريبي بشكل رئيسي، وخاصة الضرائب غير المباشرة، التي تسهم برفع كلفة السلع الأساسية، يؤدي إلى سوء الأوضاع المعيشية ويترك آثاراً مؤلمة على ذوي الدخل المحدود، ويسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين.

ويحتل قطاع الصناعة أهمية متزايدة في الاقتصاد الوطني باعتباره قاطرة للتنمية الاقتصادية الاجتماعية، ذلك أنه ضمانة لزيادة القيمة المضافة، كما يساعد على تأمين الاكتفاء الذاتي وتحسين الموازين الاقتصادية ودفع عملية التنمية خاصة في الدول النامية، للأسباب التالية:

ـ يسهم قطاع الصناعة في إيجاد فرص عمل، وكلما زاد حجم الإنتاج الصناعي أفقياً وعمودياً نقص عدد العاطلين عن العمل.

تسهم تنمية القطاع الصناعي في زيادة الدخل الوطني، فعندما ترتفع نسبة إسهام قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي تزداد الصادرات ويقل عندئذ الاعتماد على تصدير المواد الأولية، لأن الاعتماد على تصديرها فقط يعرّض الدول النامية لحدوث التقلبات الاقتصادية فيها، بسبب تقلب الطلب الخارجي حين تتعرض الدول الصناعية الكبرى لموجات الكساد الاقتصادي.

ـ يسهم نمو قطاع الصناعة في رفع مستوى الإنتاجية، وذلك لأنه من أكثر القطاعات قدرة على تطبيق استخدام التقنية والتكنولوجيا الحديثة وهذا يسهم في رفع الإنتاجية.

ـ يسهم في رفع معدل النمو في الاقتصاد الوطني ويساعد على رفع النمو في القطاعات الأخرى أيضاً مثل قطاع الزراعة وقطاع الخدمات لترابط العلاقات بينه وبين القطاعات الأخرى، فقطاع الصناعة يمد قطاع الزراعة بكثير من مستلزمات الإنتاج مثل الآلات الزراعية الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية..إلخ، كما يعتبر في الوقت نفسه مجالاً لتسويق كثير من المنتجات الزراعية التي يتم تصنيعها في قطاع الصناعة.

من ناحية أخرى فإن نمو بعض الصناعات يدفع صناعات أخرى مرتبطة بها إلى النمو، إضافة إلى قدرة قطاع الصناعة على ابتكار واختراع منتجات وسلع صناعية جديدة، مما يسهم في رفع معدل النمو الاقتصادي.

ـ يسهم قطاع الصناعة في توفير موارد للقطع الأجنبي وفي علاج مشاكل عجز ميزان المدفوعات في الدول النامية، بتصنيع سلع تحل محل المستوردات أو تصنيع سلع للتصدير الخارجي. وكذلك في الاستفادة من السيولة المالية المحلية التي تهدر في المضاربات المالية، أو تجمد في العقارات والأراضي.

مرحلة النمو الاقتصادي

يحتاج الاقتصاد إلى تدخل الحكومة في بداية مرحلة النمو الاقتصادي، وذلك بإنشاء مشاريع البنية الأساسية التي تعتبر ضرورية في عملية التنمية والتصنيع، مثل: مشروعات توليد الكهرباء والمياه والطرق والمواصلات والاتصالات، وأيضاً إقامة صناعات ثقيلة تحتاج إلى حجم ضخم من الرساميل، ومع النمو الاقتصادي تزداد قدرة القطاع الخاص وترتفع أهميته النسبية.

السياسات الحكومية الصناعية

تؤثر السياسات الحكومة في حجم الاستثمار في قطاع الصناعة ونموه وإمكانية دخول منشآت جديدة في الصناعة وعدد المنشآت في الصناعة وحجمها، ولاحقاً تستطيع أن تؤثر على هيكل الصناعة ودرجة التركز فيه، ثم التأثير على درجة المنافسة أو الاحتكار في السوق.

كما تستطيع الحكومة أن تؤثر سلوك المنشآت الصناعية من حيث تحديد حجم الإنتاج وتحديد سعر السلعة المنتجة، كما تستطيع أن تؤثر في أداء المنشآت الصناعية ومستوى الكفاءة الإنتاجية فيها بالشكل الذي يحقق أكبر مستوى من الكفاءة وأفضل استخدام للموارد في المجتمع.

أهم أدوات السياسة الصناعية التي يمكن أن تتبعها الحكومات:

1- سياسة التخصيص الصناعي:

تقوم الحكومة بإعطاء تراخيص للمشروعات الجديدة الراغبة في دخول الحياة الصناعة، وتعتبر هذه السياسة من أهم وسائل التأثير على هيكل الصناعة ودرجة التركز فيها. فمن خلال هذه السياسة تستطيع الحكومة التأثير في عدد المشروعات والمنشآت في الصناعة وتحديد العدد الأمثل للمشروعات في كل صناعة بحيث تعمل تلك المشروعات بطاقتها الإنتاجية المثلى التي تجعلها تنتج بأعلى كفاءة ممكنة وبأقل تكلفة ممكنة، وبحيث لا يكون هناك طاقات إنتاجية معطلة وغير مستغلة.

2- سياسة الحماية الجمركية:

تحتاج الصناعة في بداية نشأتها إلى الحماية من منافسة المنتجات الأجنبية المماثلة والمستوردة من الخارج فستفرض الحكومة رسوماً جمركية على السلع المستوردة المنافسة للإنتاج المحلي حتى تستطيع الصناعة المحلية أن تكتسب الخبرة وتستطيع تخفيض التكلفة المتوسطة فيها، بحيث تتمكن من منافسة السلع المستوردة، وهذه الحماية يجب أن تتركز على الصناعات التي تتمتع فيها الدولة بميزة نسبية.

3- سياسة القروض الحكومية:

تقوم الحكومة بإعطاء فرص لتشجيع إقامة المشروعات الصناعية، وهذا يسهم في زيادة حجم الاستثمار في قطاع الصناعة وفي زيادة الإنتاج الصناعي ونسبة إسهام قطاع الصناعة في الناتج القومي.

ويلاحظ أن سياسة القروض الحكومية من خلال تأثيرها في عدد المنشآت في الصناعة، يمكن أن تسهم في تقليل درجة التركيز نتيجة لزيادة عدد المشروعات الصناعية، وهذا يعني تقليل درجة الاحتكار في السوق خاصة إذا اتجهت الحكومة إلى توجيه القروض بدرجة أكبر إلى إقامة المشروعات الصغيرة وإعطاء هذه المشروعات قروضاً لتدعيم قدرتها على البحث والتطوير حتى تستطيع المنافسة والبقاء في السوق، على أن يكون المشروع مجدياً اقتصادياً ويوفر فرص عمالة وتدريب

4- سياسة المشتريات الحكومية:

تهدف إلى تفضيل شراء الحكومة المنتجات المحلية بدلاً من المنتجات الأجنبية المستوردة، إذا كانت تحقق الغرض، والهدف من هذه السياسة تشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها من منافسة المنتجات الأجنبية.

5- سياسة خفض ضرائب الشركات الصناعية..

يمكن أن تتبع الحكومة هذه السياسة بهدف تشجيع الاستثمارات الصناعية ويلاحظ أن سياسة الإعفاء من ضرائب الشركات يكون لها تأثير أيضاً على هيكل الصناعة من خلال التأثير في زيادة عدد الشركات والمنشآت في الصناعة، وبالتالي تقل درجة التركز في الصناعة.

العدد 1102 - 03/4/2024