نساء سوريات يبتكرن حلولاً لمعالجة أزماتهن المعيشية

في العام الرابع من عمر الأزمة السورية، وبعد أن فقَدَ الكثير من السوريين منازلهم وأعمالهم وعائلاتهم، دون ظهور حل يلوح بالأفق، لجأت النساء السوريات إلى أساليب جديدة، لمواجهة الظروف الراهنة، فاتجهن لمزاولة مهن مختلفة لتكون مصدر رزق لهن ولأسرهن، دون أن يضطررن إلى طلب عون من أحد.

مهن ليست بجديدة على سوق العمل، إنما بطابع جديد وبانتشار واسع، دون نقابات أو تأمين صحي ولا راتب تقاعدي، لكنها كافية لمواجهة قسوة الظروف وسد رمق العيش.

صناعة الحلويات المنزلية

أم أحمد (المرأة الأربعينية، نازحة من القلمون، تصنع الحلويات المنزلية لتبيعها في منطقة الدويلعة): مات زوجي واضطررنا للخروج من منزلنا نتيجة المعارك العنيفة التي شهدتها البلدة، واتجهنا إلى دمشق، وبدأت مع أفراد أسرتي بصنع الحلويات المختلفة لأننا فقدنا المعيل، وها أنا ذا أبيعها هنا حتى لا نلجأ إلى مساعدة من أحد.

تصنع أم أحمد البيتي فور والمعجنات والبسكويت المحلى والمعمول والغريبة وأنواعاً مختلفة أخرى.

وحول تكاليف العمل، تضيف أم أحمد: غلاء الأسعار المواد الأولية، يشكل إحدى الصعوبات في عملنا، لكننا نبحث عما هو مناسب وبمواصفات جيدة، من المهم بالنسبة لي أن أحظى برضا المشترين، ليزداد البيع.

وبخصوص المردود المادي، تشير أم أحمد إلى أن ما تجنيه وأسرتها يكفيهم لتأمين متطلباتهم الأساسية، وإن كان غير كاف لعيش كريم، لكنه جيد قياساً بالوضع الحالي.

المونة

في سوق التنابل في منطقة الشعلان، وفي منطقة المزة شيخ سعد، تجد الكثير من الخضار المعدّة والجاهزة للطهي الفوري، دون عناء في التحضير، كالكوسا والباذنجان المحفور والبقدونس المفروم والثوم المقشر وغيرها.

لكنك ستجد في مناطق أخرى كركن الدين ومساكن برزة الخضار المعدة بالطريقة ذاتها، وبأسعار أرخص، لكن اليد العاملة في هذه المهنة هن النازحات إلى هذه المناطق.. فالكثيرات منهن وخصوصاً من يعشن ظروفاً قاسية، لجأن إلى هذا العمل.

ورغم المردود القليل نسبياً، تجد نور هذا العمل مناسباً، لأنها تمارسه في المنزل دون أن تضطر إلى الخروج، لأنها لا تستطيع أن تترك والدتها المريضة.

تقول نور: (عشنا أوضاعاً صعبة منذ أن تركنا بلدتنا في الريف الحمصي، وبعد فترة من الجلوس دون عمل، قررت الاتجاه إلى تحضير (المونة المنزلية).

وتضيف نور أنها تعاقدت مع أحد أصحاب محلات الخضار، يحضر هو الخضار الطازجة، وتقوم هي بتحضيرها، من تنظيف البقدونس وفرمه إلى حفر الكوسا والباذنجان وتقشير الثوم وتحضير الملوخية وتجفيفها.

وفي موسم المونة، كما يسميه السوريون، تلقى هذه المهنة رواجاً واسعاً، وخصوصاً لدى النساء العاملات اللواتي لا يملكن الوقت الكافي لكل ذلك، وإن كان ارتفاع الأسعار بشكل عام يقف عائقاً دون شراء الخضار الجاهزة، إلا أن الأجور البسيطة التي تتقاضاها العاملات يسهم في رواج هذه الخضار. البعض الآخر من العاملات في هذا المجال يلجأن إلى البيع المباشر، تذهب أم علاء إلى باب سريجة حيث تتوفر الخضار هناك بأسعار أرخص ونوعية جيدة، تحضر كميات كبيرة منها، تعدها مع أخواتها في المنزل ويقوم ولدها علاء ببيعها مباشرة للراغبين فيها، ولا تحتاج في هذه الحالة إلى بائع يعطيها نسبة قليلة من الربح.

شكلت هذه المهنة رديفاً آخراً لأصحاب المحال التجارية ومصدراً آخراً للرزق، يقول محمد (بائع خضار في منطقة المزة) إنه بدأ منذ فترة قصيرة ببيع الخضروات المحضرة، لكنها شكلت باباً جديداً للربح، ويتعامل مع ثلاث عائلات من العائلات النازحة، تقوم بتحضير هذه الخضار لقاء أجور معقولة وبجودة عالية، مع مراعاة النظافة، ليقوم ببيعها، ويضيف أن أغلب زبنه من الأسر الميسورة الحال المادية.

تنظيف المنازل

لا تجد منى (النازحة الحلبية) مانعاً لعملها في تنظيف المنازل، غير خوفها من التعرض لمواقف صعبة من أولاد الحرام كما تصفهم، وتضيف: (أعمل مع بناتي في تعزيل البيوت، غالبيتهم من ميسوري الحال ونتقاضى من ألف ليرة حتى الألفين ليرة لقاء تنظيف الغرفة الواحدة، ورغم أننا نبذل جهداً كبيراً في هذا العمل، إلا أن المردود الجيد نسبياً يكفينا لنعيش دون أن نحتاج إلى أحد).

ورغم أن بعض ربات البيوت يتخوفن من إدخال النساء الغريبات إلى منازلهن لتنظيفها، لا تمانع أخريات أن يدفعن مبلغاً من المال للحصول على الراحة والنظافة معاً.

كما أن الكثيرات منهن، خاصة ممن يعانون ظروفاً صحية معينة، تمنعهن من مزاولة الأعمال المنزلية، يجدن في النازحات العاملات الحل الأمثل، وخصوصاً أن الكثيرات منهن يتقاضين أجوراً بسيطة لقاء هذا العمل الشاق.

أعمال أخرى

قدمت العديد من المنظمات الكثير من الدورات لمساعدة النازحات لإيجاد عمل بسيط يساعدهن على مواجهة ظروفهن، كالخياطة والأعمال اليدوية كالتطريز، فاتجهت الكثيرات منهن نحو ورشات الخياطة للعمل فيها، وأظهرت بعضهن تميزاً واضحاً في هذا المجال، كما أن المرأة السورية استطاعت التعايش مع ظروف هي الأقسى منذ عقود، وتمكنت من مواجهتها بصبر وإيمان، واختارت أنواعاً جديدة من العمل لتتمكن من العيش بكرامة دون أن تطلب يد العون من أحد، وأثبتت أن إرادة الحياة أقوى من كل الصعوبات.

العدد 1105 - 01/5/2024