!فكرة مُستهلكة والمضمون واحد

 

 

 تنتشر انتشاراً بات مُلاحظاً، وبكثرةٍ، البرامج الداعمة لمواهب الغناء وانتقاء الأصوات ضمن لجان تحكيم تعتمد التخيير لا الاختيار، بتجاهلٍ تام لما هو حاصل خلف الكواليس في مثل تلك المسابقات!!

ما سرُّ الاندفاع تجاه ما بات رائجاً كأيّ نشاط أو ترويج لسلعة لاقت الانتباه لدى الجميع..؟

والفئة المستهدفة هي الشباب.. فما سرُّ الإقبال على هذا الوسط!! ما سرُّ الهواة!! والكم الهائل من المواهب التي تَخَرُجُ من كنف عالمٍ وظروفٍ كالظروف المُعاشة حالياً ومنذ سنوات عدة منقضية أيضاً..؟

وما يُثير التعجّب حقاً، غرق العالم بأزمات اقتصادية، في حين تُرصد ميزانيات خيالية لهذه البرامج الاستعراضية من الطراز الأول..!!؟؟

فعلى كفَّتي ميزان، برامج مسابقات غنائية راجحة على كفّة البرامج العلمية الزاخرة بشغف المعرفة.. فلا إقبال ولا جهات داعمة ولا تمويل ولو بأقل القليل لانتشارها..!!

فإن كانت الفنون والمواهب بهذا القدر العالي، فلماذا التحيّز للغناء دون غيره من الفنون..! لكن لا صورة آنية سوى انسياق وراء ما شاع ذكره وممارسته وبمسؤوليات مُجزأة كان النصيب الأكبر للاستخفاف بالعلم والحصول على المعلومة بسهولة عن طريق محركات البحث السريع في ظلّ تطورٍ موظف على عكس ما وجد من أجله، مما ساهم في تهميش برامج تدعم المعرفة العلمية وتسلّط الضوء على غيرها من برامج مواهب وغناء ترعى المزاج الشبابي المعروف بتقلباته والموجّه بحسب التقليد الأعمى في نشاطاته وممارساته.

فتهافت الفكر الشبابي على ما درج اتباعه كنوع من مواكبة العصر والتحرر أدناه.. والإغراء المُتبع في سياسة تلك البرامج من تقديمات وتدريبات وجوائز مغرية إلى حدٍّ كبير بمجهود أقل من قبل الشباب المشاركين هو ما أعطى الشرعية في تضخم البرامج الغنائية وتشعبها وتنوعها دون تميّز فني أو ذوقي.

ولعل الهروب من الواقع الغارق بالأزمات، والبعد عن أساليب المعرفة التي باتت تقليدية في منظور هذا الجيل المسيّر جعلته أقلّ داعم للعلم وأصغر نافذة للمعرفة وإن كان المقصود من البرامج التعليمية ليس إلاّ زيادة في الضغوط والمهام.  أما الطرف الآخر المُسيّر للعالم والموجّه للعقول النامية فقد جعل اللهو والاستخفاف بالمعرفة مصرع الأمم بأكملها، لتوجيه الأنظار إلى ما يحول دون فهم الواقع والتنمية. لعلّ الطرف الآخر أعلاه هو ذاته صاحب النفوذ والميزانية الداعمة لهذه البرامج الغنائية، لا أهمية لمعرفته مقارنة بأهمية الصحوة الفكرية والكف عن التوجّه الريادي غير الفعال.

وضمن قاعدة ليست باستثنائية أنّ ما خرج عن إطار الاهتمام ليلقى الغياب تدريجياً وبشكل كلي ليس عبثاّ بل هناك أهداف رامية لتغييبه، وللأسف ليست بأهداف بل هدفٌ واحد هو أمة جاهلة بصنع محلي، وهذا ما جعل الازدهار حليف البرامج الغنائية على حساب البرامج العلمية وغيرها.

 

العدد 1105 - 01/5/2024