إدمان المخدرات.. أقبح أشكال الهروب

 في أزمنة الحروب وتفشي الفقر والأزمات الاجتماعية والنفسية تصبح الذاكرة مترعة بالألم وتعاني بعض النفوس تحت ثقل المأساة، فيلجأ بعض الأشخاص إلى الإدمان على المخدرات شكلاً من أشكال الهروب من مرارة الواقع.

ولما كانت الدولة السورية تسعى لعودة أبنائها من دول الغرب، التي تبلغ نسب إدمان المخدرات فيها أضعافاً مضاعفة عما هو الحال في سورية، وجب التنبه لخطر ذلك الإدمان الذي يفضي إلى عطالة في فئة الشباب التي يقع على عاتقها مهام إعادة الإعمار فحسب، فالمدمن هو إنسانٌ ذو قابلية عالية لتجاوز شتى القيم الأخلاقية والاجتماعية، وتكمن خطورته في أنه عندما يقترف جرماً أو جنحة في سبيل تحصيل ثمن المخدر فهو يشرع بالتفكير مباشرةً بالجريمة التالية التي ستضمن له تحصيل الجرعة التالية وبقاءهُ في حالة النشوة. فالمدمن على المخدرات ذو قابلية عالية ليصبح مجرماً خطيراً، فهو خلافاً لمعظم المجرمين من غير المدمنين لا يرتكب الجريمة كحالة عارضة، وإنما تشكل الجرائم والجنح نشاطاً مستمراً في حياته يسعى من خلالها لإشباع مطامع تجار المخدرات كي يحصل العقاقير التي تعزز حالة الذهان واللاواقعية التي يعيشها.

ولما كان إدمان المخدرات من المشكلات القليلة التي تواجه الدول المتقدمة والدول النامية على السواء رغم اختلاف دوافع مواطني تلك الدول إلى الإدمان.. بدا لي من المفيد تسليط الضوء على تجربة سويسرا في مجال مكافحة الاتجار والتعاطي بالمخدرات، فقد أدركت الحكومات المتعاقبة هناك مقدار الكوارث الاجتماعية التي يمكن أن ينتجها الإدمان من تفكك أسري وسلب بالعنف وقتل واغتصاب وسرقة وقوادة ووفاة، بسبب جرعات مفرطة.. فقررت قطع السبل على تجار المخدرات من خلال إلغاء الجدوى الاقتصادية لتجارتهم، فكما هو معروف ازدهار أي تجارة يقوم على ثنائية (العرض والطلب) فتدخلت لتعرض المخدرات بالمجان بحيث تغطي طلب المدمنين، ومنحتهم قسائم شبيهة بـ(البونات) التي يستخدمها السوريون لتحصيل الأرز والسكر المدعوم سعرهما من الدولة. فبات المواطن السويسري يستطيع الحصول على جرعات من المخدرات دون أن يتعرض للتجريم أو الاعتقال، ولكن تلك الجرعات تعطى وفق منهجية تهدف إلى العلاج من الإدمان، إذ يجري إنقاص كمية المخدر تدريجياً.

ربما تابع شبابٌ يسيرون على طريق الإدمان مسلسلاتٍ ورواياتٍ وأفلاماً تتناول حالاتٍ إنسانية، كعاشقٍ فقد علاقته بأسرتهِ لأنهم غير راضين عن اختياره لمحبوبته أو رجلٍ سلبته عصابة ما مالهُ أو اختطفت أحد أفراد عائلتهِ.. وربما تعاطفوا كثيراً معها وهَمَّهم ما همَّ أبطالها.. لكن لا مأساة تفوق مأساة المدمن على المخدرات، فذلك كفيلٌ بجعله يخسر أصدقاءه وعائلته وماله واحترام المجتمع وقد يخسر حياته.. ولعله أكثر الناس جُبناً لو لم يكن جباناً لواجه الواقع بعقلهِ ولم يغيّب عقلهُ في سبيل سعادة وهمية يكمن وراءها شقاءٌ هائلٌ لمن حوله.

العدد 1107 - 22/5/2024