حقوق الطفل.. أين هي؟!

 يعيش الكثير من الأطفال السوريين حالة المعاناة والتوتر المتصاعد في أكثر من محافظة سورية ساخنة تعيش حالة النزاع المسلح، يواجهون بأجسادهم الصغيرة وعقولهم البريئة بشاعة عنف عصيّ على الفهم ينعكس بشكل واضح وجلي على صحتهم ونموهم وسلوكهم وتوجهاتهم.. وتجرف حياة هؤلاء الأطفال تطورات أزمة مستعصية نالت من أمنهم ومن استقرار عائلاتهم الاجتماعي والعاطفي والاقتصادي، وجعلتهم أكثر عرضة للخطر.. فهم لا يملكون المحاكمة اللازمة ولا يستطيعون استيعاب الأحداث بتعقيداتها، فيعانون اضطراب الصدمات واضطراب النوم والأحلام المزعجة، وهذه حالة انفعالية لديهم ظهرت بشكلين متناقضين: هيجان كامل أو خمول كامل وضعف في التركيز ليس في الدراسة فقط بل في الأمور كلها، ينامون ويصحون على أصوات الرصاص والقذائف والبراميل المتفجرة والصواريخ وأزيز الطائرات.. فعيونهم رأت مشاهد عنف أكثر بكثير مما يمكن لعقل طفل استيعابه، فتلتصق بذاكرتهم، بل تصبح أهم ما تختزنه الذاكرة.

فأين هي الحقوق الإنسانية؟!

جرى تصنيف حقوق الإنسان تحت خمسة عناوين: حقوق مدنية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، ورغم أن حقوق الطفل هي حقوق خاصة إلا أنها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. إن الوضع المتردي الذي يعيشه الأطفال العرب يعكس جسامة المهام المطلوبة من الحكومات في تطوير استراتيجية متماسكة لتطبيق اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1990 ووافقت عليها الحكومات العربية.

ويواجه الأطفال العرب صعوبات وتحديات هي في الأساس انعكاس لما تواجهه بعض الدول العربية من نزاعات مسلحة واحتلال وتدمير وحصار وعقوبات، مما جعلها تفتقر إلى مكونات البنى الأساسية للتنمية والخدمات، أثّر سلباً على الطفولة. ولا نستطيع البحث في الطفولة على نحو منفصل عن المجتمع والإنسان، فالنزاعات المسلحة مستمرة منذ عام 2011 إذ يتعرض الأطفال لأوضاع غير إنسانية في فلسطين سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس وغيرها، تشكل انتهاكاً لحقوق الأطفال خصوصاً حقهم في الأمن وفي حياة سلمية طبيعية، فالأطفال العرب هم أول من يدفع ثمن النزاعات المسلحة.

ولا يمكن الحديث عن أي تقدم في العالم العربي دون وقف التدهور المتصاعد في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل في سورية والعالم العربي.. فالنزاعات المسلحة دولية كانت أم محلية تنعكس على الأطفال، لأنهم جزء من السكان المدنيين، وغالباً ما يكون الأطفال مغلوباً على أمرهم وشهوداً مباشرين على الأعمال الوحشية التي ترتكب بحقهم وحق عائلاتهم، فهم يتعرضون للقتل والتشرد والجوع والنزوح إلى محافظات أخرى أقل استهدافاً أو إلى خارج البلاد منفصلين عن البيئة التي تعودوا عليها. ويفتقر الأطفال الذين ينجحون بالهرب من هذه الظروف إلى حمايتهم، فقد ابتلع البحر الأبيض المتوسط أثناء النزوح الكثير من الأطفال والرضع وهم برفقة عائلاتهم العاجزة أصلاً عن إنقاذهم، وليس لدينا إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع ولكن العدد كان كبيراً وكبيراً جداً خلال السنوات الماضية.

وفي حالة النزوح الداخلي الذي تعرضوا فيه لصعوبات شديدة في الأماكن التي حطوا فيها لعدم توفر الضرورات الأساسية للحياة من طعام وشراب ومأوى، ومنهم أطفال مرضى وجرحى محتاجون للمساعدة الطبية وذوو إعاقات مختلفة، وأخطر الانتهاكات بحق الطفولة في سورية والعالم العربي:

1-خطر تجنيد الأطفال في الميليشيات المسلحة الإرهابية، خاصة داعش.

2- العمالة القاسية.

3- العنف والاعتداءات الجنسية.

4- الاتجار بالأطفال أو بأعضاء من أجسادهم.

5- تزويج الفتيات الصغيرات، خاصة في معسكرات اللجوء.

ويشكل تجنيد الأطفال مشكلة ثقافية واجتماعية خطيرة، ويجنّدون في معظم الحالات في البلدان العربية والإسلامية بذريعة الدين وواجبات الجهاد، لتغطية هذه الجريمة النكراء وديمومتها. والمعروف أن الفصائل المسلحة الإرهابية جندت الكثير من الأطفال في الدول العربية التي يدور فيها صراع مسلح، ولا يمكن الحديث عن الطفولة في ظل النزاعات المسلحة دون التذكير بالأطفال ضحايا الحصار الداخلي والخارجي ثم الاحتلال. إن مشكلة معالجة هؤلاء الأطفال باتت مستعصية ومخيفة في آن، فعملية تغيير مفاهيم العنف والقتل المنطبعة في عقولهم باتت أصعب مهمة في عالمنا العربي.

العمالة القاسية

وتشير منظمة العمل الدولية إلى وجود أكثر من 19 مليون طفل في المنطقة العربية يقومون بأعمال مرهقة بالغة القسوة خطرة على حياتهم، وتعتبر الإساءة الجسدية روتيناً في حياتهم اليومية، ويعيشون رهينة الخوف والقلق والتوتر، وهذه الأجواء في الحروب تؤدي إلى قتل الطموح والثقة بالنفس لدى الأطفال التي هي حاجة أساسية لأي طفل.

إن تفادي انخراط الأطفال في دوامة العنف هو تحدٍّ كبير لنا جميعاً ولمجتمعنا، ويجب أن يصبح بنداً أساسياً في الأجندة السياسية للحكومات العربية.. كما أن العنف والاعتدءات الجنسية في البلدان العربية يمكن القول إنها من المواضيع التي تنطبق عليها المأثورة الشعبية (يا ساتر الستر استر)، وليس هناك أي تنسيق بين وزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة وبين مخافر الشرطة والأمن الجنائي.. وبوجود مساحات واسعة من الصمت، ومأساة الصمت الجماعي تكمن في كون الثقافة التقليدية مازالت تغرق في حالة عدم تمييز بين الضحية والمعتدي، فيما يعرف بقضايا (الشرف).. ولا ترحم صدمة الطفولة وتمزق الأعضاء التناسلية في الكثير من حالات الاعتداء.

ويليها انتشار الاتجار بالأطفال أو بالأعضاء من جسدهم على الصعيد العربي، وخاصة في البيئات التي تجمع بين الجهل والفقر والتفكك الاجتماعي والحلقات المهمشة والمستضعفة في المجتمع. ففي بعض البلدان العربية مناطق اتجار وعبور للتجارة بالأطفال، والشفافية غائبة تماماً من إحصائية تصب في هذا الموضوع، إلا أن التقارير الدولية أشارت إلى أن بعض الدول العربية فيها تجارة وسياحة جنسية وزراعة أعضاء للأطفال، ويساعد في ذلك وجود فرق سرية من الأطباء الأمريكيين كانت قد رافقت القوات الأمريكية عند هجومها على العراق، تنشط الآن أثناء النزاعات المسلحة في المنطقة العربية. ويستمر تزويج الفتيات الصغيرات خاصة في معسكرات اللجوء وأماكن النزوح أيضاً تحت غطاء ديني وعرفي، فمازال قطاع كبير من رجال الدين يربط بين الوضع الخاص للنبي محمد والأحوال الشخصية للمسلمين يعتد بقصة عائشة مثلاً، لتزويج بنات لم يبلغن الثامنة من عمرهن..

ففي عدد من البلدان العربية والإسلامية لا يوجد للأسف حتى اليوم قوانين تحدد سن الزواج، الأمر الذي يصل بوضوح إلى الاستغلال الجنسي من أشخاص مسنين لقاصرات لم يكتمل نموهن الجسدي والنفسي.. أما في بلدان مثل مصر فيجري التحايل على سن الزواج بالزواج العرفي، وتبلغ نسبة زواج القاصرات 74% ولا يمكن مواجهة هذه المشكلات الخطيرة دون التذكير بمسؤولية العائلة والسلطات العامة ورجال الدين، ولا يمكن التصدي لهذه الجرائم دون وجود منظومة متكاملة من الإصلاح السياسي والقضائي والثقافي والأخلاقي العميق.

العدد 1104 - 24/4/2024