الديمقراطية (2 من 2)

كيف تمثل ذلك في النظام الرأسمالي؟ رغم وجود مؤسسات المجتمع المدني وتحقيق نسبية استقلالية الدولة يبقى الاستحواذُ على فضل القيمة قائماً من قبل الطبقة الرأسمالية السائدة ولمْ تتحقق العادلة والمساواةِ داخلياً، وبقيت الحرية الاقتصادية وهيمنة رأس المال تؤثرُ في العلاقة بين الحرية السياسيةِ والحرية الاجتماعية. وعلى الصعيد العالمي مازالت الشركات المتعددة الجنسية وقروض الدول الغنية والعلاقات التجارية غير المتكافئة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من القنوات التي يجري باستخدامها نهب ثروة العالم التي تقدر بـ 223 تريليون دولار ويبقى أغنياء العالم الذين يشكلون 1% يستأثرون بـ 43% من إجمالي الثروة العالمية، بينما الفقراء الذين يشكلون 80% من سكان العالم لا يملكون سوى 6% من الثروة العالمية.

يقال إن الدول الغنية تمنحُ الدول الفقيرة 130 مليار دولار مساعده سنوياً، إلا أنها تأخذ منها 900 مليار دولار بسبب النهب التجاري، و600 مليار دولار استرداد خدمة الديون، و500 مليار دولار لقاء استنزاف الموارد الطبيعية واستغلال الأيدي العاملة الرخيصة، ويشكل حجم المال المتدفق من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية 2 تريليون دولار.

إذاً، هناك عملية نهب 2 تريليون دولار، مقابل 130 مليون دولار مساعدة، فمن يساعد من؟ إن التناقضَ قائم بين منطق أمريكا الديمقراطي كورقة ضغط للسيطرة على العالم، والمنطق الديمقراطي كمطلب نضالي من أجل التحرر الإنساني من السيطرة والاستغلال والإلحاق.

هل تجري ممارسة الديمقراطية دون صراع؟ إن المجتمعات محكومة بالتناقضات الطبقية من أجل الاستحواذ على فضل القيمةِ تاريخياً منذ العهد العبودي إلى الآن، وهي مصدر للصراع والحركة. إنَّ ممارسة الديمقراطية هي وسيلة لإدارةِ الصراع سلمياً ، والصراعات العنيفة محكومةُ بحالاتٍ متعددة منها، فعند وصول التراكمات الكمية إلى درجة التحول إلى تغيير نوعي إلى ظاهرة جديدة قد تستخدم القوى الصاعدة العنف لولادةِ الجديد، وهذا متوقف على مقاومة القديم العنفية. وعند وجود توازنات طبقية في مرحلة معينة، ينشب الصراع الطبقي العنفي بسبب عدم تقدير درجة التطور للقوى والعوامل المحيطة وتقدير ميزان القوى بأكثر أو أقل مما هو عليه يكون الصراع العنفي منهكاً لطرفي الصراع، إن انخفاض مستوى الوعي والممارسة الديمقراطية يغلّبُ إدارة الصراع عنفياً بدلاً من إدارته سلمياً، كما أن عوامل الفقر والتخلف والإنتماءات الإثنية والمذهبية والطائفية والعشائرية، التي تنمو على حساب المواطنةِ والانتماء الوطني تجعل الوعي والممارسة الديمقراطية متعثرة، وتحل التناقضات قسرياً وتوقع أفدح الأضرار بقضايا الشعوب. إن الحرية والمساواة والعادلة الاجتماعية منتهكة بفعل الاستيلاء على فضل القيمة من قبل أصحاب الرأسمال، ويبقى نهار العمل مستعبداً جهود العاملين الذين يعيشون حالة الاغتراب، والحل يكمن في حل التناقض القائم بين التملك الفردي لوسائل الانتاج والطابع الجماعي لها بتحويلها إلى ملكٍ جماعي ووضع فضل القيمة في خدمةِ المجتمع وتقليص الوقت اللازم اجتماعياً للعمل بإدخال التقنية والتحديث لوسائل الانتاج وتحويل نهار العمل إلى ثلاثة أوقات:

الوقت اللازم اجتماعياً للعمل الذي يسدد الأجور.

الوقت الزائد الذي يولد القيمة الزائدة الموضوعة في خدمة المجتمع.

وقت الفراغ الذي يمكّن العامل من تطوير مهاراتهِ ومواهبهِ للانخراط في العملية الإنتاجية وتحويل نهار العمل من مستعبد إلى مبدع، وتحويل وظيفة الدولة من إدارة مصالح مالكي وسائل الإنتاج وممارسة القهر، إلى إدارة مصالح المجتمع بأسرهِ.

لكن السؤال الذي يتبادر للذهن: لماذا سقطت التجربة بعد سبعين عاماً؟

 هناك عوامل كثيرة خارجية وداخلية منها حدَّة الصراع مع الإمبريالية العالمية والدفع باتجاه سباق التسلح، مما أدى إلى تضخم الدولة وتثبيت وظيفتها القمعية ضد العدو الخارجي فانعكس ذلك داخلياً تقليصاً للعاملين في إدارة مهام الدولة في الإنتاج والتوزيع، وإحلال الحزب الواحد واحتكار السلطة وعودة القوى المنتجة إلى حالة الاغتراب، فكانت النتيجة تطور الديمقراطية الاجتماعية على حساب الديمقراطية السياسية بعكس الأنظمة الرأسمالية التي عرجت فيها الديمقراطية الاجتماعية واحتفظت الديمقراطية السياسية بشكليتها صوناً لمصالح الطبقة السائدة.

موقف الحزب الشيوعي السوري (الموحد) من الديمقراطية: يتمسك الحزب في حياته الداخلية بمبدأ التنوع في إطار الوحدة، ويعتمد الانتخابات المباشرة في اختيار القيادات والهيئات القيادية، ويحترم حق الأقلية في التعبير عن نفسها، وإذا طلب ثلث أعضاء اللجنة المركزية أو ثلث عدد اللجان المنطقية مناقشة قضية أو أكثر سواء كانت سياسية أو اقتصادية اجتماعية أو فكرية، يجري إعداد وثيقة متضمنة الآراء المطروحة والمتباينة، وتوزع على نطاق الحزب كله للنقاش العام، وعلى ضوء حصيلة النقاش والاتجاهات الأساسية فيه يتقرر الموقف الملائم، ويمكن عقد مجلس وطني أو مؤتمر استثنائي إذا تطلب الأمر ذلك.

 إن قرارات الحزب على مختلف المستويات تتخذ بالأكثرية المطلقة ويهدف الحزب من مجمل هذه العمليات إلى ممارسة الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية وترسيخ الوعي الديمقراطي والممارسة الديمقراطية لتكون عوناً له في ممارسة الديمقراطية في المجتمع ويعتبر الحزب الديمقراطية خياراً إنسانياً تفرضه مراحل النضال الوطني والاجتماعي، ويفسح المجال لانخراط أوسع فئات الشعب في هذه النضالات، متبنياً العلمانية في فصل الدين عن الدولة والسياسة والعلم، وفصل السلطات واستقلال القضاء ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات ونوادٍ وأحزاب، واعتماد الانتخاب أسلوباً في اختيار قياداتها، وتداول السلطة، واحترام الرأي والرأي الآخر، وضمان حرية الاعتقاد والتعبير، وحق الاجتماع والتظاهر السلمي وتشكيل الأحزاب وإصدار القوانين التي تمكّن هذه الفئات الاجتماعية من الدفاع عن مصالحها ورفع مستوى الوعي العام، وترسيخ مفهوم المواطنة والانتماء الوطني، وتعميق الحوار بين قوى المجتمع لتوطيد القواسم المشتركة، كما يرى الحزب أن إنجاز النظام الاشتراكي في بلادنا يمر عبر مراحل انتقالية تكون فيها كل أشكال الملكية مسهمة في عملية التنمية ضمن خطة الدولة العامة لتلبية حاجات المجتمع والتقدم باتجاه الاشتراكية، وأن يبقى الدور القيادي في الاقتصاد للملكية العامة لوسائل الإنتاج ووضع الإنتاج والتوزيع تحت رقابة الشعب، وهذا يتطلب تعزيز دور الديمقراطية والتعددية السياسية وسيادة القانون واستبعاد كل أشكال النظم الديكتاتورية واحتكار السلطة، إذ لا يمكن تصور الاشتراكية من دون ديمقراطية، فالاشتراكية مرتبطة عضوياً بالديمقراطية.

 

* محاضرة ألقيت في المركز الثقافي في بلدة تلدرة، بتاريخ 4 نيسان 2015

المراجع

كتاب تاريخ الفلسفة.

مجلة دراسات اشتراكية.

جريدة (النور) السورية

النظام الداخلي للحزب الشيوعي السوري (الموحد).

العدد 1105 - 01/5/2024