لنكسرها.. أضلاع المستطيلات!

تعال إلى ضيعتنا، لا يزال في أفياء البلوط موعد لنا. كثيراً بكتْ أمي لأني لستُ صبياً أشبهه، جفّ حليبها.

(هنا أخوكِ الكبير يرقد). من يومذاك ويزورني القبر الصغير.

(لمَ لا تطول قامة الموتى؟ الحجارة أمي، مبعثرة كمن دلت عليه).

كنا نعيد ترتيبها مستطيلات طويلة: فـ(الأطفال لا يرحلون إلا إلى حضن أمهاتهم).

تعال إلى ضيعتنا. رخامي المأوى أبي. أعرفه عليك وعلي. عشرونَ عاماً ولا يزال أربعينياً ذاك الشاعر. اسمع أوتار عوده، تشابكت في أعلى التلة تخذلني مثله. كيديه أطلقتا دربي ممتداً للريح. كخطوط جبينه تبتلع شقائي وسيرته. مثل خنجره الفضي، يحمله سارق البيوت المرتبة.

ثمة مكان لنا، بسعةِ جذوع الدلب محرمة القطع، تحميها أرواح الأتقياء. تحرسنا القبة الخضراء من الألم. فعلتْ مع أتربة دافئة وحجارتها، مع ساكنيها الجدد. تبارك بزيتها المقدس تقرحَ الزائرين. تسحلُ ثقلَ رؤوسهم، تقطعُ أعناقَ الأغنيات.

طُف، بُحْ بأمنيتك. توسدْ كتفَ القماش المنقوش، اطلبْ، ابكِ. البخورُ يرتفعُ بأحلامنا. انظر! هاهي ذي البلاد التي سألتَ تغادرنا مستقيمة للأعلى، تصعد دوننا نحن المبعثرين بينَ قضبان التوسل.

تعال إلى ضيعتنا. لملوحةِ نبع (الحياة) حكايات لا تنتهي. النسوة في الصباحات يجتمعن يبكين الراحلين العائدين. يرجعنَ وتخمدهنَّ في الغرف إطاراتُ الصور. مستطيلات ذهبية تبتلع الجدران، طويلة كسوادِ أثوابهن، كجدائلهنّ المهملة.

تعال نثور على النظم الهندسية. دعنا نفكك الخطوط، نخلعُ الضلع ونثني الطول، نكسر الارتفاع. لماذا على المتوازي أن يخلق وطناً؟ ومتى كان منحنٍ لا يرفعُ سماء..؟ دمرتِ الحرب القواعد، شطرت مكعباتِ البيوت، غرفها الباهتة، خشبها المهترئ. فضحت مساحة النخر ومحيطه. تعال نهرب من أضلع المستطيلات. لنحرر من مخازن الزوايا القائمة أوجاعنا ودموعنا. لنقتل فيها خنوعنا.

 لنختر موتاً أقل أناقة. من قالَ إن الروح تحتاج إلى مساطرَ ترتبُ سكينتها؟

تعال إلى ضيعتنا، (الحواكير) العتيقة تعرفُ كيف تنزع من الكروم مسامير كعابها العمودية. متى ترجعُ فوضى المطر لعطشِ المساكب. خاوية المعالم أطرافها، محتشدة السماق والغار. حاسرة الأسرار طيورها، جاهلةٌ بقفصنا المدني.

تعال إلى حواكيرنا المتعرجة، تخلطنا مع ترابها الكلسي، تنثرنا شاماتِ جسدها الغض. تعال هناك إلى دارة الشمس، الشمس الهاربة قبلنا من عتمة المستطيلات.

العدد 1107 - 22/5/2024