مُحب للوطن

قُسِّمت الأرزاق، فلم يرض أحد بنصيبه.. وُزِّعت العقول، ففرح الجميع، لاقتناع كل ذي عقل بعقله، وللحظ الأوفر من الرجاحة والاتزان لديه.

فلا ضير من طموح، يزيد به المرء رزقه، وحبّذا ألا يكون الطموح، وسيلة لغايات ضم رزق.. كان أولى به الاستغناء عنه.

ولا عيب في تواضع المرء، وإشراك الآخرين في آرائه. فيصير الرديء منها متواضعاً، والمتواضع سديداً، والسديد حكيماً.

***

ثالثة السنوات العجاف انتهت، والرابعة قد شارفت.. وثمار خريفنا فجّة، عصيّة على النضوج، متشبثة بأشجار، آلت أوراقها للسقوط.. فيما نحن.. متمسكون بآراءٍ – تنافرت وتباعدت – لا يُرجى منها غير قطع باقي الود إن وجد.. في وقتٍ، ما أحوجنا فيه إلى التعاضد.. ولكل أسبابه ومُبرراته غير القابلة للدحض، ولا حتى النقاش..

فهناك.. مَنْ يُسابق الزمن؛ لإنهاء الأزمة، من خلال استجلابه التدخل الخارجي، غير ملتفت إلى ما يجرّه ذلك من زيادة النار اشتعالاً..

وآخر.. يقدم نفسه ممثلاً للدين وخليفة لأمير المؤمنين، يرى الحل في تجميع الرؤوس الكافرة، لشحذ مديته بها، فتكون سبيله إلى حُورُ العِين..

وقسم منهم ما زال، مُتفرداً برأيه، مُتناسياً، أسباب ما انحدرنا إليه، مُتأهباً لتخوين كل مَنْ ليس مِنْ رأيه..

وبعضهم؛ يحطُّ اللوم على غيره، مُبعداً نفسه عن دائرة المسؤولية، ناظراً إلى الوراء، في بحثه عمَّا وصلنا إليه، غير ناظرٍ أمامه، إلى أبعد من أنفه!

ومنهم مَنْ يرى أننا ضعنا في غياهب الغايات.. أو أن في الأمر وجبة جاهزة، للشيطان وحده يد في تحضيرها وطبخها.. وعلينا الانتظار والتخمين فقط حتى تجلو نتائجها..

منهم مع النظام، وآخرون ضده!

***

ضاع الوطن.. تجاذب أبناؤه أطراف الحديث، عن التقسيم الحاصل في مجتمعنا، جراء محنةٍ طال أمدها..

هاله.. النقاش الدائر منذ زمن حول تقسيمه إلى دويلات صغيرة، ما زالت توالي انقساماتها..

أفجعه.. أن تصل التقسيمات إلى الأسرة الواحدة، فهذا ما لا يرضى به.. لا العقل ولا الضمير ولا المنطق..

ويبقى له رأيه – أي الوطن – في حَضْنِ جميع أبنائه (من كان صالحاً منهم أو طالحاً).. طالباً منهم.. قلب أسمائهم من (موالٍ) ومن (معارض) وصهرهما في اسم (مُحبّ للوطن). رافضاً.. كل أشكال التجزئة والتقسيم والتكفير والانتقائية في حبه لهم.

العدد 1104 - 24/4/2024