العنف الجنسي ضدّ الأنثى أخطر أنواع العنف

لا يزال قدوم الفتاة في الكثير من الأسر والبيئات التقليدية نذير شؤم، أو في أفضل الأحوال حالة تحمل من الهموم أكثر مما تحمل من الأفراح. لذا تبقى هذه الفتاة موضع ممارسة الكثير من أنواع العنف بحقها، مادياً ومعنوياً، بكل اتجاهاته، لكن يبقى الأخطر على حياة الفتاة ومستقبلها ونفسيتها هو العنف الجنسي باتجاهين:

أولاً- العنف على أساس النوع الاجتماعي باعتبارها أنثى:
إذ تبقى الفتاة في تلك البيئات الاجتماعية التقليدية الضحية الأولى لكل ما تحتاجه الأسرة، إن كان على مستوى التربية، أو على مستوى التحصيل العلمي، أو العمل المنزلي أو الحقلي في البيئات الزراعية، فهي كبش الفداء إذا ما اضطرت الأسرة لإخراج أحد أبنائها من المدارس، إذ يجري إخراج الفتاة من أجل أن يكمل الصبي تعليمه، وهذه ظاهرة تجد جذورها في العقلية والثقافة الذكورية التقليدية التي ترى في الفتاة كائناً دونياً،ويجري التمييزبينها وبين الجنس الآخر(الذكر) بمبررات متعددة غير حقيقية،وذرائع واهية يجري الاستناد إليها لتبقى الفتاة مقهورة ومضطهدة.

ثانياً- العنف الجنسي القائم على استغلال أنوثة الفتاة:
من أجل إرواء نزوات مريضة من قبل المقرّبين أو البعيدين، لكن يبقى العنف الجنسي الممارس بحقها من قبل المقرّبين أشدّ إيلاماً وأكثر ضراوة على بنيانها النفسي والروحي، وهو ما يُسمى بالسفاح. ذلك أننا نسمع كثيراً من القصص تروي هذا الاعتداء الصارخ على الفتاة، من قبل الأب أو الأخ أو مَن هم في منزلة المحرمين شرعاً وقانوناً،
مستغلين ضعفها وخوفها من سلطتهم عليها، مما يجعلها فريسة سهلة المنال في الخفاء، وقد يستمر هذا العنف المخزي ما دامت الفتاة لا تمتلك القوة والجرأة الكافية للإفصاح عمّا تُعانيه بسبب هذا الاعتداء، وبالتالي تبقى رهينة عنف نفسي يشوّه إنسانيتها وبراءة الطفولة لديها، مفتقدة الأمان الذي يُفترض أن يؤمّنه لها هذا المجرم في الأوضاع الطبيعية(الأب، الأخ، العم… الخ)
إضافة إلى ولادة عقدة نفسية تجاه الرجل يمكن أن لا تشفى منها طيلة حياتها، وهذا ما يُحيلها في كثير من الأحيان إلى إنسانة لا مبالية بالقيم الأخلاقية،
وربما يأخذها إلى متاهات الانحلال الأخلاقي الذي قد تعتبره عادياً بعد ما لقيته من أقرب الناس إليها والذين يُفترض أنهم المعنيون بحمايتها وتوفير الرعاية والأمان النفسي والمعنوي لها، إضافة إلى أنهم المعنيون الأوائل بتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية عندها.

ومن اللافت عندنا أن التعامل مع هذا النوع من العنف الجنسي مازال طي الكتمان على الغالب، لعدّة أسباب، أولها خوف الفتاة من البوح بمن ينتهك أنوثتها وبراءتها، وثانياً الخوف الأسري من الإعلان عن اعتداء كهذا تفادياً للفضيحة على صعيدين: سمعة الفتاة وسمعة ذويها، وهكذا تبقى الفتاة هي التي عليها أن تتحمّل تبعات هذا العنف المادية والنفسية، إذ من الممكن أن يلجأ المعتدي إلى قتل الفتاة تحت مُسمى جرائم الشرف، واتهام رجل آخر بالاعتداء عليها، وهذه إحدى الجرائم التي ارتكبت العام الماضي في ريف حماه، إذ قتل أخ أخته التي اعتدى عليها متذرّعاً أنها على علاقة بشاب آخر، للتخلّص من جرم ارتكبه هو بحق شقيقته.

وقد تقع الفتاة فريسة اعتداء جنسي من آخرين غير أقارب، اعتداء تكون نتيجته عاراً يلحق بالفتاة وأسرتها دون أن يصيب المعتدي أيّ أذى باعتباره ذكراً لا يعيبه شيء، وعلى الغالب يفلت من العقاب أو من تحمّل تبعات فعلته، لتلاقي الفتاة مصيراً مأساوياً ليس من قبل المجتمع وحسب، بل من قبل أهلها بالدرجة الأولى، فهي بنظرهم انتهكت شرف العائلة، هذا الشرف المرتبط فقط بعذرية الفتاة دون أن يرتبط بأخلاقيات الذكور في المجتمع، وهنا أيضاً قد تُلاقي على الغالب مصيرها تحت لافتة جرائم الشرف.

 من هنا نجد أن المجتمع التقليدي- الذكوري لا يزال يرى في الأنثى من جهة همّاً كبيراً، ومن جهة أخرى مجالاً رحباً لممارسة ذهنية مشوّهة بكل الاتجاهات.   

العدد 1105 - 01/5/2024