إعادة التموضع العسكري الروسي في العالم

بات من الواضح أن روسيا انتقلت خلال فترة وجيزة من مرحلة تجاوز تداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ومحاولة بناء جيش وطني جديد، إلى مرحلة تحديث صناعتها العسكرية، بهدف إعادة (التموقع) الجديد لقوتها العسكرية الصاعدة، لمواجهة التحديات الدولية، وأيضاً خدمة لسعيها الحثيث لاستعادة دورها كقوة عظمى بديلة للاتحاد السوفييتي الذي تفكك في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

عملية (التموقع) الجديد تجري على مستوى الهوامش الآسيوية، والتحكم في الوضع الجيوسياسي والجيواستراتيجي الجديد الناجم عن التوترات المتعلقة برسم الحدود ما بين دول الاتحاد السوفييتي السابق ومحيطه الإقليمي. والآن ما هي أهم خطوات التموقع الروسي الجديد؟

– العمل على سحب القوات الروسية المرابطة على الحدود الجنوبية الشرقية، وإلغاء عسكرة حدودها مع الصين بعد تسوية الخلافات الحدودية من خلال اتفاقية 2004 حول سيبيريا الشرقية، وذلك بالتوازي مع تطوير علاقاتها الاقتصادية مع منظمة التعاون لشنغهاي.

–  السعي إلى تطوير الإمكانات السياسية والعسكرية مع الصين لدعم قوة البلدين الصاعدة في مواجهة القوى الغربية المناوئة لهما. وفي هذا السياق جاءت المناورات العسكرية المشتركة في بحر الصين الجنوبي رسالة موجهة لمختلف الأطراف الدولية.

– تحريك القوات الروسية على مستوى المنطقة الجنوبية الغربية وبوسط آسيا للدفاع عن موارد الطاقة الروسية وعن مصداقية السيادة الروسية في منطقة جغرافية لها أهمية استراتيجية كبيرة.

– بذلت موسكو جهوداً جبارة في محاربة المجموعات المتطرفة في إطار سعيها لإعادة الاستقرار إلى منطقة (القوقاز)، التي حاول الغرب توظيفها للتأثير على روسيا، وخاصة في جمهورية الشيشان، التي مثلت الأوضاع فيها امتحاناً صعباً للقوات الروسية في نهاية القرن العشرين.. وهي الآن تتابع محاربة الإرهاب في سورية بفعالية عالية، وبخاصة بعد تدخلها الجوي في سورية منذ عام، بناء على طلب من الحكومة السورية.

– من هذه الخطوات على طريق التموقع العسكري لروسيا، حرصها على عودتها بقوة إلى الساحة العسكرية الدولية، عبر إقامة مجموعة من القواعد العسكرية خارج حدودها، فضلاً عن دعمها لوجودها العسكري في قواعد أخرى، فلروسيا حالياً قواعد في قيرغستان وطاجكستان وأرمينيا وروسيا البيضاء وكازخستان وأوزبكستان والقاعدة البحرية في جزيرة القرم وقاعدة طرطوس في سورية وقواعد أخرى في مولدافيا وأبخازيا وبالقرب من الحدود مع جورجيا وأكرانيا، وذلك لمواجهة محاولات حلف الناتو للتوسع شرقاً نحو الحدود الروسية. وعلى سبيل المثال عندما حاولت جورجيا بإيعاز من حلف الأطلسي بسط سيطرتها على (أوسيتيا الجنوبية)، دفعت روسيا بـ10 آلاف جندي نحو أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في شهر آب من عام 2008 محاولة استعراض القوة العسكرية الروسية الكبيرة.

– كثفت روسيا وجودها العسكري في شرق البحر المتوسط، وأعادت بناء وتوطيد علاقاتها مع دول شمال إفريقيا وفي مقدمتها مصر والجزائر.

قامت روسيا بتكثيف تعاونها مع الصناعات العسكرية مع الهند، وأجرت مناورات مشتركة مع القوات الباكستانية، في أول سابقة من نوعها بين البلدين.

– إن التطور الأبرز في سياق إعادة تموقع القوات الروسية عبر العالم، هو انطلاق قاذفات استراتيجية روسية من قاعدة (همدان) الجوية في إيران.

– ردت موسكو على استفزازات واشنطن التي أرسلت قطعات من أسطولها البحري إلى البحر الأسود، بإرسال قوات روسية إلى مياه البحر الكاريبي تعاملاً بالمثل.

خلاصة القول

إن موسكو أصبحت أكثر حرصاً على تعزيز وجودها العسكري في العالم، مع التركيز على منطقة أوراسيا، وذلك بالتنسيق مع حليفتها الصين، ومن غير المستبعد أن تشهد التوازنات العسكرية الدولية تحولات كبرى في السنوات والعقود المقبلة، بسبب النجاحات الهائلة التي تحققها الصناعات العسكرية الروسية.

العدد 1107 - 22/5/2024