حالةٌ مرضيةٌ لا بدّ من علاجها

عادت إليه بعد طول غياب والشوق يرسم في مخيلتها صوراً شتى للقاء، كانت لهفتها فواحةً وشوقها أكثر عبقاً..

لم يطُل الترحيب الحار أكثر من دقائق معدودة، وتحوّل الشوق والحب إلى السبب الأول لكمٍ هائلٍ من الأسئلة والاستفسارات: عمَّ وكيف ومع من أمضت الوقت طوال فترة بعدهما أحدهما عن الآخر، وما هي إلاّ دقائق حتى تحوّل هذا الكائن الذي كان إنساناً إلى شيءٍ آخر لا اسم له، تحوّلت يداه اللتان كانتا تعانقانها منذ لحظات إلى آلةٍ وحشية لضربها وبقسوةٍ لم تتخيلها،
ولم يكتفِ بيديه فقط، بل انطلق ليأتي بأدواتٍ أخرى تساعده على إنجاز مهمته في ضربها وتهديدها بالقتل، وكل ذلك بسبب شكّه وظنه بأنها لربما تكون قد خانته مع غيره.. حتى انتهى بها المطاف بعد عدة معارك لأن تتحوّل إلى لوحةٍ ملأى بكل الألوان والكدمات…

إن العنف الجسدي الذي يمارسه معظم الرجال تجاه نسائهن اللواتي يعتبرونهن ملكيةً خاصةً لا يقتصر على مجتمع دون آخر، ذلك لأنه صفة خاصة بالشخصية التي يمتلكها الرجل الذي يعاني من انعدام الثقة بالنفس وبالقدرة على امتلاك وسائل الحوار مع من يفترض أنها شريكته في الحياة ومثلها مثله. وكثيرةٌ هي الأفلام التي تأتينا من دول العالم المتحضّر قد تطرقت لهذا المجال…

يعود اعتماد العنف الجسدي إلى صفاتٍ شخصيةٍ مرضية، غالباً منشؤها نفسي ناجمٌ عن تربيةٍ مجتمعيةٍ  قائمةٍ على تعزيز القوة العضلية لدى الرجل مقابل ضعف المرأة في هذا الجانب،الأمر الذي يبرر استخدام هذه القوة لتأديب المرأة ـ العنصر المسؤول عن الفحشاء والخيانة،
أو عن انعدام ثقة الرجل بنفسه أمام المرأة وفقدانه لأساليب التعامل الإنساني أو لغة الحوار المقنع، مما يجعله بلحظةٍ يفقد السيطرة على قواه متذرعاً بأنها من أفقدته صوابه واستفزته ليمارس ضدها كل أصناف العنف من ضربٍ أو شتمٍ أو تهديدٍ وربما تنفيذٍ للقتل… إذاً فهو قد غيّب عقله وترك العنان لكل شخص أن يستفزّه أو يستثير انفعالاته وغضبه.

على هذا، فأياً يكن الأسلوب المتبع أثناء ممارسة العنف الجسدي، فإن مردّه الأول والأخير حسب اعتقادي يعود إلى حالةٍ مرضيةٍ مزمنةٍ سواء على الصعيد المجتمعي وثقافته عامةً، أو على الصعيد الشخصي المتعلق بالرجل بحدّ ذاته، وهذا ما بات يتطلب نظرة عميقة إلى طرق التربية المجتمعية والنظر إلى المرأة ككائن ذي شخصية متكاملة تمتلك أيضاً القوة الجسدية والقدرة على ردّ الأذى عن نفسها والردّ على الفعل بردّ فعل يماثله،
إنما تمنعها عدة اعتبارات أهمها تربيتها واحترامها لعقلها قبل أي شيء آخر، وإدراكها أن العلاقة مع الشريك حينما تصل إلى هنا فإنها لم تعد تمتلك أي عنصرٍ من مقومات العلاقة المشتركة الصحيحة.. وندرك في نهاية المطاف أن ما لا يمكن الوصول إليه بالحوار والعقل والمنطق، لن يتحقق التوصل إليه بالضرب أو الإهانة أو التهديد بالقوة العضلية التي مع مرور الزمن هي قوةٌ زائلةٌ مثلها مثل أي قوة جسدية أخرى…. 

العدد 1105 - 01/5/2024