الأكراد في العهد الأموي وفق المصادر العربية

يجري الحديث عن الأكراد في فترة الحكم الأموي الذي يبدأ من حكم معاوية بن أبي سفيان 41هـ /661م حتى مقتل مروان بن الحكم آخر خلفاء بني أمية سنة 132هـ/ 750م، بشكل متواتر في المصادر العربية لأن معظم اهتمامهم كان منصباً على الصراع الأموي من جهة والشيعة والخوارج من جهة أخرى، بينما دور الأكراد فيه جاء ذكرهم إلى جانب الانتفاضات المتتالية ضد الحكم الأموي لاسيما عند الحديث عن الخوارج الذين اتخذوا من البيئة الجبلية لكردستان معقلاً لحركاتهم، نسرد بعض الأحداث: حركة مختار بن عبيد الثقفي، وهو شيعي معادٍ للأمويين، دعا إلى الأخذ بثأر شهداء كربلاء، التف حوله الموالي ومنهم الأكراد لرفضه الخضوع لعبد الله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة المسلمين في مكة، فاستطاع أن يمد نفوذه على الكوفة ومناطق واسعة من العراق، وقد عين على حلوان المدينة ذات الغالبية الكردية آنذاك سعد بن حذيفة اليماني والياً عليها، وطلب منه أن يعد من أكراد حلوان جيشاً من ألف رجل مقابل أن يحكم الأكراد في تلك المناطق وإخضاعهم للمحافظة على الطرقات بتلك الأطراف، لكن حركة المختار باءت بالفشل بعد أن تخلى عنه الموالي وأولهم الأكراد لأنه تخلى عن حمايتهم، وأحكم بعدئذ الأمويون سيطرتهم على العراق.

في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان عُين الحجاج بن يوسف الثقفي والياً على العراق، وهو المعروف بطغيانه وشدته، فأخضع كل ولايات المنطقة الشرقية في العراق وإيران باستثناء خراسان وسجستان،ولاحق الخوارج الذين نشطوا على أطراف العراق وعادوا الأمويين والشيعة. تتحدث المصادر بشكل طفيف عن الأكراد وأحداثهم خلال حكم الحجاج الذي استمر 20 عاماً، منها أن الحجاج عيّن سويد بن عبد الرحمن والياً على حلوان وماسبذان في 696-697م، فحسب الطبري بقيت المناطق الكردية بين الموصل وأذربيجان والجزيرة وسجستان منطقة صراع بين الحجاج والي الأمويين، والخوارج المعارضين، اضطر الأكراد أن يكونوا طرفاً فيها. عندما ثار الخوارج بقيادة مطرف بن المغيرة بن شعبة، أرسل الحجاج سويد بن عبد الرحمن الذي جنّد جيشه من الأكراد، فتحرك الأكراد وقاموا بإغلاق الممر الجبلي الذي يوصل إلى حلوان، وجرت معركة بين الأكراد بقيادة سويد والخوارج بقيادة مطرف عند ممر حلوان أدت إلى تقدم مطرف باتجاه همذان، فردّ الحجاج بإرسال جيش مؤلف من ستة آلاف جندي معظمهم من الأكراد لقتال مطرف. وفي حادثة أخرى انتفاضة عبد الرحمن بن محمد الأشعث والي سجستان الذي اتفق مع أكراد فارس، وهاجم الحجاج وأخذ منه الكوفة، واستمرت انتفاضته سنوات عديدة حتى حلت الهزيمة به في 704م التي أبدى فيها الأكراد مقاومة ضارية بحسب ما يذكره ابن الأثير والطبري والبلاذري، فبعد مقتل الأشعث سلّط الحجاج على الأكراد عمر بن هاني العبسي لقتالهم، كما عين محمد بن القاسم والياً على فارس وأمره بإخضاع الأكراد، بحسب الواقدي وابن كثير، لكنه فشل فنشط الأكراد، مما دفع بالحجاج أن يقود بنفسه جيشاً لقمع حركات الأكراد ومما زاد من تمرد الأكراد سوء أوضاعهم الاجتماعية واستمرار فرض الجزية عليهم وعدم مساواتهم مع العرب في ممارسة الطقوس الدينية رغم أنهم أدوا دوراً بارزاً في الحياة السياسية والثقافية، ولم يهنؤوا إلا في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي اتبع سياسة المسالمة معهم خاصة ومع الثائرين عامة، وأجرى بعض الإصلاحات ومعروف عنه أنه كان متعاطفاً مع علي بن أبي طالب، حاول الاتفاق مع الشيعة والخوارج لإيقاف عملياتهم العسكرية، لكنه فشل مع الخوارج فاضطر إلى إيجاد أنصار له من الأكراد في شهرزور بالمناطق الكردية إحدى أهم مراكز الخوارج، حتى عدّ سكان شهرزور موالي عمر بن عبد العزيز، لكن خلافة عمر لم تدم سوى ثلاث سنوات اغتيل بعدها سنة 720م، وتوالى عدد من أحفاد عبد الملك بن مروان على الخلافة حتى وصل مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وكانت والدته كردية، وقد نشطت في عهده حركات عصيان وانتفاضات تحولت فيها الجبال والمناطق الكردية مسرحاً لها منها حركة شهرزور عام 744م قادها الضحاك بن قيس، ضم له 4 آلاف شخص استولى على الكوفة والجبال والموصل، ثم تراجعت حركتهم وتحصنوا في شهرزور، بينما تحول الصراع إلى خراسان عندما بدأت الدعوة لأقرباء الرسول على يد العباسيين، فتحرك أبو مسلم الخراساني وهو من أصل كردي من مرو، وقد التف حوله الفقراء وشملت حركته أقاليم إيران ومنها المناطق الكردية، وخلال 748-749م سقطت بيد أبي مسلم نهاوند وحلوان. ثم سلط 30 ألف ثائر على شهرزور وقد اشتبكت مع القوات الأموية بقيادة عثمان بن سفيان التي انهزمت وتراجعت، ودخل أبو مسلم شهرزور بينما استولى قائده قحطبة على كرمنشاه (قرمسين) ثم حلوان ومن هناك إلى خانقين، بينما تابعت فرقة من قوات أبي مسلم التقدم من شهرزور إلى الموصل، هكذا إلى أن خضعت المناطق الكردية كافة للثائرين لاسيما بعد هزيمة مروان بن محمد أمامهم في معركة الزاب 132هـ/ 750م.

فلم تكن المناطق الكردية سوى ميدان للصراع بين الأمويين والثائرين بسبب طبيعتها الجبلية التي ساعدت الثائرين على التحصن فيها، وقد أدى الأكراد دوراً بارزاً كقوام جيوش هذا الصراع فمالوا إلى الحركات المعادية للدولة الأموية بسبب النهج الإقطاعي وسياسة التعريب وسوء الأوضاع وعدم المساواة في سياسة الدولة الأموية.

العدد 1107 - 22/5/2024