المشهد الثقافي… فقاعة سيزيف الدجّال

 كتب لا جديد فيها، هدرٌ للورق والحبر ولوقت الناس.. جوائز في المسابقات الأدبية الكبرى، تحاول واحدة من أقدم مدن التاريخ أن تستعيد من خلالها دورها الثقافي.. وجوائز، معظم النصوص التي فازت بها، هي نصوص عرجاء تستوفي شروط الجنس الأدبي الذي كتبت فيه بصعوبة، فيها من الحشو والتنظير الشيء الكثير..
صحف دورية يُطالب من تقع بين أيديهم بتحسينها لأن هناك بقعاً على الزجاج تستعصي عليها، فقد أصابهم اليأس من تحسين مستوى محتواها..
ومُدرّجات معظم كراسيها لشباك العنكبوت باستثناء الصفوف الأولى، تُلقى فيها محاضرات لا يحضرها إلاّ حفنة من الكهول (أعضاء اتحاد الكتاب) يتناوبون بين مستمع ومُحاضر..
مئات الملايين وعقارات بقيمة عشرات المليارات مرصودة لمؤسسات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، وإشغال لمساحات ضخمة في مدننا المكتظة، وبرامج فيها فعّاليات غير فعّالة في شيء.. فمن هو المسؤول؟ وكيف وصل هؤلاء إلى هذه المناصب؟

يقول أحد الأدباء السوريين:
(ليس الجُهّال، أو أنصاف المثقفين، أو من يسعى لضرب الجبهة الثقافية الوطنية هم الأخطر على الثقافة، من يشكل الخطر الأكبر هو المثقف النفعي، لأنه يخدم كل هؤلاء من حيث يشعر أو لا يشعر)..
والأقبح من كل ما سبق هو وصول الكثير من النفعيين إلى بعض مراكز القرار في المؤسسات الثقافية، وتشدّقهم رغم الواقع المزري، وزعمهم أن هناك جبهة ثقافية وأنهم مناضلون بالأقلام وسدنة للثقافة، ولعلّ عدم وجود مؤسسة نقابية للدفاع عن حقوق المثقفين والكتاب يجعل الحال على ما هو عليه.

أما ما يُسمى بـ(اتحاد الكتّاب العرب) فبإمكان أيٍّ كان من خلال متابعة الصحيفة الناطقة باسمه ملاحظة ميول العديد من القائمين عليه نحو السياسة وضيق الأفق الإيديولوجي في خطابهم أكثر من السياسيين المنحازين أنفسهم.
ويمكن ملاحظة اللغة العربية المتكلّفة والتي هجرها حتى أكثر رجالات الأديان ابتذالاً.. تلك العربية الـ(محرشفة) بالألفاظ الثقيلة على السمع التي تُكتب بها الافتتاحيات المتزاحمة لتلك الصحيفة المحشوة بالإرهاصات أكثر من الفكر الجديد، مما ينمُّ عن عدم التوجه نحو الشارع السوري.. إضافة إلى أن هذه الصحيفة لا تطرح مشاكل الكُتّاب وهمومهم، بل تظهر فيها صور المسؤولين في الاتحاد ببدلات وربطات عنق فاخرة تحت عناوين مثل (استقبل وودع.. المسؤول الفلاني والوفد العلاني).

أما أكثر الظواهر غرابة فهي انتخابات رئيس اتحاد الكتاب العرب التي أُهملت نتائجها لصالح فرض(تعيين) رئيس للمؤسسة (ينزل بالباراشوت من فوق!)، وهذا يعني أن هناك في سورية من يعتقد أنه أكثر فهماً وحكمة من مثقفي البلاد، وبالتالي يرى نفسه أهلاً لأن يفرض عليهم وعلى مؤسستهم النقابية من يريد، سواء كان هذا الشخص (المفروض) أهلاً للمنصب أم لا، فمجرد فكرة أنه (مفروض فرضاً) خلافاً لإرادة الأدباء والكُتّاب المتمثلة بنتائج الانتخابات، ولمجرد أنه لم يصعد من قاعدة رضا واقتناع ومحبة تؤهله ليكون تجسيداً لرغبة النسبة الأكبر من الناخبين..
بمجرد قبول هذا الشخص الذي فضّل الكُتّاب عليه عدة أشخاص آخرين، أن يكون (أمراً واقعاً) فرضته سلطة ما، فهذا باعتقادي يجعله عديم الأهلية لقيادة مؤسسة نقابية ثقافية حُرّة.. فالمثقف الذي لا يحترم إرادة المثقفين لا يُتوقع منه أن يعمل لخدمتهم على أكمل وجه.

ولعلّ الطامة الكبرى هو أن تتخذ إحدى القيادات في الدولة قرارات لا تتماشى مع ما جاءت به خيارات المثقفين الانتخابية، فنحن سبق أن تحدينا العالم بأن سورية ديمقراطية أكثر ممن ناصبها العداء من العرب، ثم ببساطة نضرب بأصوات المثقفين السوريين من أدباء وكُتّاب عرض الحائط!!
كيف سيصدق المواطن العادي أن هناك من يحترم رأيه وخياراته، إن كانت أصوات النُخب المثقفة في البلاد وخياراتها لا تُحترم، ويُستهتر بها على هذا النحو؟!!

 

العدد 1105 - 01/5/2024