حوار الضفادع

ما أكثر الذين يصح فيهم القول:

من برّا هالله هالله.. ومن جوّا يعلم الله.

إنهم كالمدافن الفخمة التي يبهرك منظرها الخارجي في حين أنها لا تضم في الداخل غير العفونة والدود والعظام، هل سمعتم بحوار الضفادع المثقفة؟!

تلك التي تنق وتبق وتثرثر وتقلقل ليل نهار دون أن تقول شيئاً.. لكنها تعتقد وتؤمن بأنها بنقيقها تقدم ما يفيد ويغني ويطور المجتمع.

أولئك الذي يدعون أنهم يعرفون كل شيء، وقد غاب عن عقولهم الضيقة أن العلم والمعرفة والثقافة كالأرض: لايمكن لأحد أبداً أن يمتلكها كلها.

فقد يمتلك الإنسان قرية أو مدينة، أو دولة.. لكن من المستحيل أن يملك مدن الأرض وقراها..!

(إن القراءة بين السطور لا تتعب العيون، بل الرأس، وكلما كان الرأس كبيراً كان الصداع أشد).

أما بالنسبة لأولئك الضفادع فإنهم لا يقرؤون إلا الخطوط العريضة، ولا يحفظون إلا العناوين الكبيرة، وإذا حدث وسألتهم عن التفاصيل يقولون:

يجب أن تتعب كثيراً وتقرأ أكثر وتجتهد وتصبر وتسهر حتى تنال تلك التفاصيل.

أي أنهم يهربون بطريقة فيها الكثير من الاحتيال والنفاق.

ما أكثرهم بيننا.. وما أسهل اكتشافهم من قبل العقلاء.

(إن الذين أوتوا نعمة الفهم والذوق والتواضع يقدسون الكلمة، فتأتي على ألسنتهم وأقلامهم طاهرة من النفاق، منزهة عن الحذلقة والبهرجة والدجل والرياء وحب الظهور، أما الذين نصيبهم من الفهم والذوق ضئيل، لا يحسون قدسية الكلمة، فلا يتورعون عن الفحش بها، وعن جرجرتها في الرغوة التي تثيرها أهواؤهم من ساعة لساعة، ومن يوم ليوم.

وما دام التفاوت في الفهم والذوق والمزاج بين الناس، كالتفاوت بين الشرارة والشمس، لن يجديك أي نقد مع الذين نورهم غير نورك، وقد يجديك الصبر، ويجديك أكثر من الصبر.

التفكير في حكمة الحياة التي تخلق الأرزة والعوسجة والنسر والخفاش).

وما دمنا نتحدث عن ثقافة الضفادع وحواراتها، تحضرني هنا حكاية تقول:

كانت ضفدعة تعيش في بئر منذ زمن بعيد، فقد ولدت فيها وبقيت فيها، وذات يوم سقطت في البئر ضفدعة أخرى كانت تعيش على شاطئ البحر، فدار بينهما الحوار التالي:

سألت ضفدعة البئر: من أين أنتِ؟

ـ من شاطئ البحر..

ـ هل هو كبير؟

ـ أوه! طبعاً إنه كبير جداً

عندها مدت ضفدعة البئر رجليها وقالت لضفدعة البحر:

ـ صحيح؟! هل هو أكبر من هذه المسافة؟!

أجابت ضفدعة البحر:

إنه أكبر بكثير.

دهشت ضفدعة البئر وفغرت فاها، ثم سألت مستغربة:

تعنين إنه بحجم هذا البئر التي أعيش فيها؟!

فأجابتها ضفدعة البحر:

كيف يمكنك يا صديقتي أن تقارني البحر الواسع ببئرك الضيق هذا؟!

عندها استغرقت ضفدعة البئر في تأمل عميق.. ثم قالت بينها وبين نفسها:

كلا، لا يمكن أن يوجد ما هو أكبر من بئري. إن هذه الضفدعة الغريبة تكذب علي، دون شك، وتريد أن تتلاعب بعقلي، فيجب أن أطردها من بئري فوراً.

وهكذا الأمر يا أصدقائي بالنسبة لبعض البشر من ذوي العقول الضيقة المحدودة، فهم قد جلسوا في قعر بئرهم الصغيرة، ولم يعد بإمكانهم التصور أن آفاق هذا العالم أوسع وأرحب بكثير من البئر التي ولدوا وعاشوا فيها!).

العدد 1105 - 01/5/2024