أفراح

هذا وقد عمت مسيرات الفرح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، حيث عبرت الجماهير في كل المدن والقرى عن ترحيبها بالقرار ال الذي صدر عن الحكومة بزيادة أسعار المواد الأساسية التي ستجر معها أسعار كل مستلزمات الحياة في البلاد، ووجهت الجماهير تحية إكبار وإجلال لهذا القرار ومصدريه ومبرريه مطالبين بأن يتكرر بشكل دائم لما فيه من سعادة ورفاهية للفقراء والكادحين..

خبر كهذا يمكن أن يكون الخبر الأول في نشرة الثامنة والنصف على الفضائية الكورية إذا قام وزير كوري برواية طرفة كالتي قيلت عندنا وأضحكتنا بقدر ما أبكتنا..

ولعل أطرف ما حصل في مطلع عام 2015 الذي قررنا ان نبدأه متفائلين بقرب انتهاء الحرب العبثية وحلول السلام وبدء إعادة الاعمار، هو تصريح السيد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك.. طبعاً المستهلِك بكسر اللام.. والحقيقة أن فتح اللام أقرب للحقيقة والواقع… فالمواطن السوري مستهلَك ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءً وربيعاً وخريفاً، مستهلَك بالركض خلف الحاجات الأولية، والخدمات البديهية التي تحولت الى منغصات.

تصريح السيد الوزير تناقلته وسائل الإعلام وصفحات النت والتواصل وأفواه المواطنين السعداء بحماية الوزارة.

وملخصه أن زيادة أسعار المازوت والغاز والخبز جاءت تلبية لمطالب الجماهير الشعبية!!

هنا تنقلب المقاييس ويمشي المنطق على رأسه بقوة تصريح الوزير، هنا شعب جائع مشرد بردان خائف يطالب بأن ترتفع أسعار أهم السلع التي ستزيد بؤسه بؤساً، وسرعان ما لبَّت الحكومة الطلب الشعبي، لتؤكد للمرة.. حرصها على أن لا تخيب آمال المواطنين بالإسراع في سماع أصواتهم والاستجابة الفورية لها….

ونعد الإخوة المواطنين الصابرين الصامدين بأن الحكومة جاهزة ليلاً نهاراً لتلبية أي طلب من هذا النوع، يعني نقول على لسان الحكومة الرشيدة لأبنائها: اطلبوا تجابوا.. 

لكن لا تحلموا بتعميم هذه الاستجابة السريعة على طلبات مزعجة ومتعبة، مثل زيادة الرواتب مثلاً، أو وضع سلم متحرك للأجور والأسعار، أو تأمين المواد التي ارتفعت اسعارها حتى بأسعارها الجديدة، وما إلى ذلك من طلبات النقاقين والمتسلقين الذين ينفذون أجندات خارجية بطلبهم من الحكومة أن تحل عن فقراء البلد وتدبر مواردها من أغنيائه وتجار الحرب والناهبين..

ولن يطول الأمر حتى تعيد الحكومة استجابتها لمطالب المواطنين والمنظمات الشعبية بأسعار أعلى من هذه، لتعم الرفاهية والسعادة كل ربوع البلاد..

وعلى سيرة المنظمات الشعبية التي ذكرتها الحكومة في قرارها بأنها شاركت في طلب رفع الأسعار فإن أعضاءها، حسب معرفتي المتواضعة، لم يأخذوا علماً بمشاركتها الفاعلة في القرار، أو تؤكد مشاركتها في المكرمة الحكومية وتعترف لمنتسبيها، الذين لا خيارات أمامهم طبعا سوى في الانتساب اليها، بأنها قامت بذلك وهي بكامل قواها العقلية والجسدية.. وتتحمل نتائج خيارها بافتراض أن هناك من سيحاسبها من منتسبيها ويسحبون الثقة منها مثلاً.. أو يحاولون ذلك على الأقل..

بانتظار طرفة جديدة من الحكومة ووزير حماية المستهلك سنحاول أن نشد الأحزمة على البطون، ونردد مع زهير المعدّل:

سئمتُ طوابير المازوت ومن ينل 

ثمانين لتراً لا أبالك يتعبِ

رأيت العطايا خبط عشواء من تصب

تمته ومن تخطىء يسافر فيهربِ

اللهم اجعلنا ممن تخطئهم عطاءات الحكومة، فيصبحون من الفئة الناجية، ولو على سفن الموت التي تنقل السوريين من جنتهم إلى قيعان البحار طعاماً للأسماك، أو إلى غربة عاشوها في الوطن فقراً وخوفاً واذلالاً قبل أن يهربوا إليها حقيقة واقعة.. 

كأني أسمع الحجاج شاهراً سيفه وهو يقول: فمن لم يمت بالسيف مات قهراً..

العدد 1107 - 22/5/2024