مضيعة للوقت أم وسيلة ناجحة ؟

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها بلادنا الغالية،  والفائض الكبير في أعداد الخريجين والباحثين عن عمل، أصبح من الصعوبة العثور على عمل مناسب،  وبسبب الهجرة  الكبيرة ،التي تستنزف الخبرات المهنية والفنية السورية،وتستقطب العقول وأصحاب الشهادات العلمية من الشباب،  بات من العسير على الشركات العثور على شباب وشابات مؤهلين للخوض في معترك سوق العمل،  فظهرت فكرة معرض التوظيف وفرص العمل لأول مرة في سورية،وكانت التجربة التي حدثت في الربع الأخير من العام المنصرم، ضمن ملعب الجلاء، كباكورة لهذا النوع من المعارض، ومن ثم تكررت الفكرة، مع بداية السنة الجديدة، تحت مسمى ابن البلد، في فندق الداما روز، ومن جديد وفي هذا الأسبوع،أقيم  معرض ) جوبكس) في ملعب تشرين،واستمر ثلاثة أيام.

كان الهدف المعلن عنه من المعارض الثلاثة، هوتسهيل عملية البحث عن عمل،وتقديم خيارات أوسع للراغبين  بفرصة عمل جيدة، في شركة محترمة، وتبعاً لما لاقته الفكرة من استحسان شريحة واسعة من الشباب، سُجلتنسبة إقبال عالية للمعارض،ومن جهة أُخرى حُققت الغاية الأساسية منها،وهي حصول  الشركات على عدد كبير من المتقدمين،مايجعل من مهمة اختيار الشخص الأفضل عملية فعالة وبسيطة،وبهذا يكون المعرض، قدم فائدة مشتركة لكلا الطرفين .

وقدشمل المعرض عدداًمن الشركات بمختلف المجالات (الغذائية والصناعية المتوسطة والخفيفة،والصناعات الدوائية والبنوك، والجامعات  ،وشركات الاتصال)،هذا التنوع الكبير جعل من المعرض الوجهة الأولى للطلاب والخرجين والباحثين عن فرصة عمل مثالية لجل الاختصاصات.

رغم ذلك لوحظ أن أغلب  الشهادات المطلوبة، هي التجارة والاقتصاد،وإدارة الأعمال والموارد البشرية والتسويق،والمحاسبة والكيمياء والصيدلة،وغيرها الكثير،كما كان الرفض قوياً لغير الخريجين وأصحاب الشهادات الأدبية والمعاهد،ولحاملي الشهادات الثانوية، مما سبب ردود فعل مختلفة  تجاه المعرض،فكثير من الزوار أثنوا  على التجربة،وبعضهم كانت لهم بمثابة مضيعة للوقت، لعدم وجود فرص لكل الاختصاصات، ولوجود بعض الشركات التي كان هدفها الرئيسي من الإشتراك في المعرض،ليس توفير فرص عمل، إنما مجرد وسيلة جديدة لدعاية غير مباشرة والترويج لاسم الشركة والإعلان عنها .

ومما آثار استغراب  فئة من الشباب، قرب المدة الزمنية بين المعارض الثلاثة، وأن مجمل الشركات الموجودة في المعرض هي نفسها التي شاركت من قبل ،وذلك يؤدي حسب رأي البعض إلى أن هذه الشركات، إما لم تستطع ملء الشواغر كما كانت تأمل، لذلك أعادت الاشتراك فيه من جديد،  أو أن الهدف الأساسي منه تغير بشكل جوهري،من تأمين فرص عمل للشباب،إلى مجرد أداة تسويق،لزيادة شهرة  الشركات والجامعات والبنوك،  مما سبب خيبات أمل كبيرة لدى مجموعة من الشباب،فبهذا جُرّد المعرض من جوهره، ودُفع ليكون طريقة جديدة من طرق الدعاية والإعلان لهذه الشركات .

هناك  فئة من الشباب،الذين زاروا المعرض من قبل بنسختيه الأولى والثانية، وقصدوا المعرض هذا الأسبوع أيضاً، آملين أن يحالفهم الحظ هذه المرة ، ولكنهم طرحوا عدة استفسارات منها.

فمن غير المعقول أن هذه الشركات لم تجد الشخص المناسب لملء الشاغر الذي لديها من بين مئات المتقدمين من أصحاب الشهادات؟ وتكرار المعرض،في فترات زمنية متقاربة جداًلا تتجاوز الثلاثة أشهر بين كل واحد وآخر، أدخل الشكفيهدف المعرض إلى قلوب كثيرين ، فهذا يخالف الحالة  الشائعة عن المعارض، فهي غالباًسنوية، مما جعل مضمون  المعرض، مقتصراً على جمع طلبات الانضمام لهذه الشركات لا أكثر، دون تحقيق الغاية الحقيقية المرجوة منه.

نحن لا ننكر أن الشباب السوري اليوم، بحاجة إلى تشجيع ودعم،وتسهيل سبل البحث عن عمل، وتقديم الفرص المناسبة للشخص المناسب.

ولكن في نهاية المطاف كانت فكرة المعرض في بادئ الأمر، جيدة كتجربة متميزة وجديدة تفتح آفاقاًواسعة للشباب، في حين أن تكرارها بفترة قصيرة،أفقد ثقة الرواد بها،وجعلهم يقصدون المعرض لرؤية إن كان هناك جديد، لا لاعتقادهم أن غايتهم ستتحقق من خلاله،لهذا ندعو الشركات المشاركة بهذا النوع من المعارض، والقائمين على تنظيمه،أن يعيدوا النظر بتفعيل الجوهر الأساسي منه،وأن لا يكتفوا بجمع السير الذاتية المتواضعة للخريجين، دون جدوى تذكر، وجعل الهدف الوحيد منه الفائدة العملية المشتركة،وألا يكون مجالاً  للتعريف بالشركة أو الجامعة  والدعاية لها فقط .

لذلك لابد من تشجيع الرساميل، لاستثمار هذه الموارد البشرية الكبيرة، في مشروع يفيد كلا الطرفين،ويؤمن فرص جدية من خلاله لهؤلاء الشباب، في محاولة لإعادة إنعاش الاقتصاد السوري، ودفع عجلة العمل للسير للأمام،بشكل فعال وعملي،وتقديم الدعم للشباب لبدء مشاريعهم الصغيرة الخاصة،وتحفيزهم لتنفيذ هذه الأفكار،وتوسيعها بما يحقق المنفعة لهم بشكل خاص،ولسورية بشكل عام.

العدد 1105 - 01/5/2024