سورية… صراعات مسارها أبدي

تشهد الحرب السورية حتى يومها هذا شكلين من الصراع، صراع يعلو فيه صوت الرصاص، وتلتهم الحرائق فيه الأخضر واليابس، وصراع صامت لكنه يزلزل بنية المجتمع على المدى البعيد.

 فالمجتمع السوري المتميّز بتعددية القوميات والأديان والطوائف، فُرضت عليه الفرقة، بل أشعلت نزاعات تهدد فئاته كافة، وجميع الأطراف داخل النسيج السوري المتنوع..

في حين أن ما تتطلبه ظروفنا الراهنة في هذه الحرب هو نبذ كل ما يفضي إلى الفرقة والتفكك الاجتماعي. وبالمجمل فإن تعدد الثقافات والطوائف سلاح ذو حدين، فهو عامل ازدهار وإبداع وكنز مجتمعي حقيقي، فيما لو قمنا بالتعامل معه على أسس صحيحة علمية ديمقراطية، مثلما هو عامل تفتت واحتراب ودمار وتقهقر، إن أسأنا التعامل معه.

ومن المظاهر التي طفت على سطح الحراك الاجتماعي ظاهرة الرموز الدينية التي باتت تشكل الهوية العلنية للأفراد، وهي ليست بمبادئ تستدعي الصراع من أجلها، ولا هي قضايا تستحق المناداة بها.. إنما هي حالة من الافتقار للوعي، ولا يمكن النظر إليها كحالة عابرة ستنتهي بتوقف الحرب، لأنها كانت موجودة سابقاً ربما بنسب أقل.

إذاً، ماذا تتطلب المرحلة المقبلة؟؟ وهل القرار السلطوي والمؤتمرات السياسية كافية؟!

بالنظر إلى العبارات التي تُكتب عادة على وسائط النقل، والتي توحي في كثير من الحالات بنمو عقد النقص في طريقة التعبير عن توجهاتنا مهما اختلفت أو تباينت، إنما كانت حالة غير مستفزّة وتحت السيطرة إلى حدٍّ ما قبل الحرب ولو بتأثير عامل الخوف غالباً.

لكن، أن تتحول الرموز إلى أيقونات مُعلّقة على الأعناق والأيدي، أو وشماً على الجسد تحمل تعابير فاقعة عن المعتقدات الدينية، فضلاً عن تحولها إلى منظومة من القيم العنصرية والمذهبية والطائفية المتحكمة بسلوك الكثيرين، هنا تصبح السيطرة والقضاء على تلك المظاهر أمراً أشبه بالمستحيل، خاصة في الوقت الذي تغلي فيه مراجل الطائفية والمذهبية والعنصرية.
لكن لا بدّ من الانتباه إلى هذا الواقع، ومحاولة تفادي الكثير من المظاهر التي تُعزز بلا شك تلك المسلكيات والتي ستذهب بما تبقى من أمل. 

فالحرب أيقظت نقطة ضعفنا المذهبية والطائفية حتى أصبحت هوية لا يمكن الاختباء منها خلف أصابعنا، غير أنها عززت الفرقة المجتمعية وكرست ثقافة الريبة والخوف من الآخر..
فضلاً عن فوضى التقليد والاتباع في حمل الرموز والأيقونات التي تنم عن جيل أضاع العقل والمبدأ.

وللإجابة عن هذا الطرح وبحثاً عن صيغ حياتية أفضل.. لابد من اتخاذ بديل عن الدين في التعبير عن شخصك الكريم، والسير في مسار فاصل ما بين العقيدة والحياة العملية.

أما فيما يخص فئة الشباب التي لا سبيل للخلاص إلا بها وبوعيها حيال قضية شائكة كهذه، فالحل برأيي يكمن في مسارين: الأول هو الاحتفاظ بالقناعات والمعتقدات الدينية لكل فرد في ذاته دون إظهارها للعلن والتباهي بها، فالآخرون في غنى عن معرفة انتمائك الديني والقومي.

 أما المسار الآخر فهو سيكون نتاج توجه وقرار سلطوي جاد وحازم يحد من تكاثر مثل تلك المظاهر، التي إن عبرت عن شيء فإنها تعبير عن الاضطراب والقلق وفقدان الثقة بالنفس والوطن باللجوء الى إبراز انتماءات (الدين، الطائفة، العشيرة،.. الخ)، ولا بد من معالجة سريعة تقرن التثقيف الوطني العلماني لجيل الشـــــباب عبر وسائل الإعلام والمناهج والأدب والفن مع قرارات جادة لإيقاف هذه الظاهرة المخجلة والمقلقة في آن.

 

العدد 1105 - 01/5/2024