فرعا الجنس البشري: بين مطرقة الفطرة وسندان الواقع

ظلّت علاقة فرعي الجنس البشري والسلالة الإنسانية (الرجل والمرأة) في حال من التبدل والتغيّر باختلاف ثقافة كل عصر، وبحسب عقيدة الإنسان خلال مراحل تطوره وتغير ثقافته حول القضايا الاجتماعية والنفسية والبيولوجية أيضاً.
إلاّ أنه لا بدّ من القول إن بعض الرواسب الفكرية ظلت متداولة ومتوارثة عبر العصور، وأن بعضها ما زال مُتشبثاً بالفكر المجتمعي لبعض الأعراق حتى يومنا هذا !!!
فنحن لا نعرف على وجه التحديد طبيعة العلاقة التي جمعت بين الرجل والمرأة في عصر الإنسان الأول، ولكن من المرجح بأنه لم يكن ليهتم بما نعرفه اليوم عن الزواج وقضايا أخرى.

ويعتقد عالم السلالات (باتشوفين) أن الإنسان الأول ارتبط مع الأنثى بعلاقة غرائزية تشبيعية دون روابط دائمة مع أنثى معينة، وكان هذا الإنسان يفترض أن إنجاب الأطفال أمر مرتبط بالسحر وبفضل الآلهة دون أدنى معرفة ببيولوجيا الخلق والتكوين، فلم يكن آنذاك للذكر شعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الأنثى التي كانت أيضاً لا تُدرك مفهوم الغيرة والتملك.

وفي قبائل الأسكيمو مثلًا ولوقت قريب كانوا يمارسون عادة إعارة الزوجات للضيوف، وكذلك الأمر لدى سكان أستراليا الأصليين، وهذا السلوك اعتُبر طبيعياً في ذاك العصر، إذ لم يكن الإنسان يعرف شيئاً عن القيم الأخلاقية والقانونية.

وفي باكورة الفكر الإنساني، وفي اليونان القديم كان هناك من يتبنى وبشدة وجهة نظر فلسفية وذكورية بحتة، تقول بعدم انتماء النساء للطبيعة البشرية الأصلية أو السامية،
وأتى تصنيفها في مرتبة الأدوات إلى جانب الصنّاع والعبيد، على خلاف الحكماء والعقلاء وذوي النفوذ والسلطة، الذين هم خلاصة نقية للطبيعة البشرية، وكان (أرسطو) من أشهر المنادين بهذه النظرية.

وظلّت المفاهيم تتبدل وتتطور مع تعاقب الحقب والأزمنة وصولاً للعصر الحديث الذي كثر فيه الحديث عن مساواة الرجل والمرأة بيولوجياً وسيكولوجياً، عدا الاختلافات المتعلقة بالإنجاب.

ولكن ما يُثير الاستغراب حقاً هو بعض الرواسب الفكرية المتوارثة لدى الجنسين، والتصورات الأولية لكليهما عن الآخر، فحتى يومنا هذا، وبرغم تطور العلوم والمعارف والعلاقات نجد أن للذكورية تصوراً بدائياً عن النساء،
يتعلق بقضاء الاحتياجات الغرائزية والتبعية المطلقة للذكور مُتعللين بأفضلية الرجال على النساء لضعف المرأة جسدياً، واتصافها بالعاطفية، لينحصر دورها فقط في تلبية احتياجات الرجل والأسرة، وفي المقابل هناك تصور أنثوي يخلق جداراً عازلاً عن الجنس الآخر، لكن ما لا يمكن إنكاره أو تجاهله هو الاحتياج المنطقي لكل منهما للآخر،
والتكامل والنجاح الذي يحققه المجتمع عند صقل الجنسين بالوعي والمعرفة، ومحاولة ردم الهوة وتصويب التصورات المتبادلة لكليهما، فالأنثى نصف المجتمع (مربي ومعلم ومكمّل للرجل)، وأيضاً الرجل هو عماد الأسرة والمجتمع إلى جانب المرأة، والخطر يكمن في بعض السلوكيات المُتجذّرة في أدمغة الذكور عن تبعية المرأة لهم وقوامتهم عليها،
وهذا ما يعيق استئصال التشوّه الحاصل في العلاقة، الذي ينعكس سلباً على المجتمع نفسه، مما يزيده تفسخاً ومرضاً يتسلل إلى الدولة عن طريق الأسرة غير المبنية على الحب والثقة والإيمان العقلي والأخلاقي بدور الآخر وأهميته وحقوقه دون الرجوع إلى أية أدلجات تاريخية لم تعد مجدية في زمن بات الجنسين معاً بأعلى قمم النجاح والكفاءة والمسؤولية.

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024