رحيل الرفيق عبدالله خليفة

شهدت البحرين منذ مطلع القرن العشرين حراكاً شعبياً امتاز بالمد الثوري أحياناً، والجزر تارة أخرى.. فخمسينيات القرن الماضي شهدت مداً ثورياً طال معظم البلدان العربية، والبحرين واحدة من تلك البلدان، وما يدلل على ذلك حركة هيئة الاتحاد الوطني بين العامين 1954 و1956.

في فترات المد الثوري والحراك الاجتماعي والسياسي المتصاعد، تتجذر الجماهير، أو قطاع كبير منها، فيخلق ذلك المد الثوري أرضية خصبة لأفكار اليسار الثوري، وكان هذا بالفعل ما حدث آنذاك، فقد نشأت جبهة التحرير الوطني البحرانية، إلى جانب حركة القوميين العرب.. فكان النشاط الثوري المتقد ليس حصراً على البناء التنظيمي فقط، بل امتد إلى توعية الجماهير بمطالبها الشرعية والتنديد بالسياسة الاستعمارية البريطانية عبر الإضرابات العمالية والمظاهرات الطلابية والجماهيرية.

تلك الأجواء السياسية، إضافة إلى الفقر المدقع بين الأحياء السكنية، دفعت الكثير من الجماهير المتعطشة للحرية والكرامة والعيش الرغيد، إلى الإحساس بالتمايز الطبقي، وتنامي الحس الوطني.. وهذا ما ينطبق على حياة الرفيق المناضل والكاتب المبدع عبدالله خليفة، الذي تربى في أوساط عمالية تعيش في (اللينات) المبنية من سعف النخيل بمنطقة القضيبية.

وفي أجواء مدرسية غلب عليها طابع الحراك الثوري، كان عبدالله خليفة تلميذاً ذكياً شغوفاً بقراءة مختلف الكتب والروايات السياسية، مما ساعده على قيادة المظاهرات الطلابية في مدرسة الحورة الثانوية، وخصوصاً عام 1965 أثناء انتفاضة آذار (مارس) المجيدة. هذا النشاط الثوري العفوي قاده للارتباط بمجموعة من رفاق الجبهة، ومن ثم انتسابه إليها عام ،1966 فكان رفيقاً نشيطاً وحريصاً على القراءة والاطلاع باستمرار.. كان يكتب القصة والرواية وسرد مراحل النضال في مؤلفاته بأسماء مستعارة حفاظاً على التنظيم وسرية العمل.. كان مناضلاً بارزاً ووفياً للطبقة العاملة وللمبادئ الأممية.

وقد عاصر عبدالله خليفة فترتي المد الثوري والجزر للحركة الوطنية البحرانية، وبقي وفياً ومخلصاً لمبادئه ونهجه العملي المستند على التحليل الماركسي اللينيني.. وهذا ما نشهده في أعماله الأدبية وتحليلاته السياسية. وكان يتسم بثلاث سمات أساسية: إلمامه بالتاريخ والثقافة العربية الإسلامية، وكتاباته المتميزة بالدقة العلمية، والنهج اليساري في تحليله لمختلف الظواهر الاجتماعية، وانتماؤه الوطني والشجاعة التي كان يتمتع بها في الكتابة والتعبير عن آرائه، كما تجلى في روايته الأخيرة عن عمر بن الخطاب.

كان عبدالله خليفة عضواً بارزاً في اتحاد الأدباء والكتّاب البحرينين، وقد شهد لنشاطه الأدبي العديد من الكتاب والأدباء العرب، وكذلك العديد من الصحفيين، إذ عمل في صحيفتي (الوسط) و(أخبار الخليج) البحرينيتين.

رحلت يا عبدالله وتركت للأجيال القادمة إرثاً أدبياً ثرياً في هذا الزمن الرديء، حيث التراجع في مسار الحركة اليسارية في البحرين وفي الوطن العربي، منذ التسعينيات من القرن الماضي، إذ أضحت الساحة السياسية مرتعاً للأنظمة العربية الرجعية المستبدة، ولأفكار الإسلام السياسي الظلامية الرامية إلى طمس معالم الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.

العدد 1105 - 01/5/2024