تعدّدَ الإرهاب والمنتصر واحد!

تتعدد وجوه الباطل وتتقلب في الزمان والمكان، أمّا الحق فدائماً أوحد، لا تعدّد في وجوهه، فلا فرق في الحسابات السياسية والأمنية والخلفية العقائدية أيضاً، بين العدوين؛ فالكيان الصهيوني هو رمز لدولة الإرهاب والإجرام، التي تشكلت من تجمع عصابات يهودية متطرفة، كهاشومير وهاغاناه وشتيرن وغيرها، أما الجماعات الإرهابية التكفيرية فهي جزءٌ من أدواته، التي بات يستخدمها لاستكمال مشاريعه في المنطقة.

ففي جرود عرسال الوعرة، وأوديتها الضيقة، وجبالها الخشنة، تُسطِّر المقاومة اللبنانية البطلة، المتمثلة بحزب الله، نصراً جديداً، في شهر تموز، شهر الملاحم والانتصارات.

تقودنا المقاومة اللبنانية من نصرٍ مظفّرٍ إلى آخر، فحالُها لم يتغير، كذلك حالُ خصومها الذين استجمعوا كلَّ قواهم التحليلية، مستجلبين الحجج المتنافرة والأدلة المتناقضة، بغية التقليل من أهمية هذا الانتصار، أو محاولة استثماره في حسابات داخلية بين الأفرقاء اللبنانيين.

فالواضح أنهم تلقوا تعليماتٍ صارمةٍ من سيّدهم في البيت الأبيض، فخرجوا مترادفين بتصريحاتٍ نعرفها مسبقاً، وهذا دليلٌ جديدٌ على عظمة الانتصار وأثره العميق، إلا أننا لن نخوض في دراسة الحسابات اللبنانية الداخلية، فلقد سبقنا في الحديث عنها الكثيرون، بل سنحاول إلقاء الضوء على الأهمية السياسية والأمنية لهذا الانتصار، لبنانياً وسورياً وفلسطينياً وإقليمياً ودولياً.

ففيما يتعلق بالبعد اللبناني، يتبين للجميع أن المقاومة تشكل قوة رديفة للجيش والقوى الأمنية، في الحفاظ على سلامة لبنان من أي خطر يتهدده، ففي معارك عرسال دافع حزب الله عن كل اللبنانيين وليس عن طرف على حساب طرف آخر، فلقد أذاقت الجماعات الإرهابية اللبنانيين مرارة التفجيرات والاغتيالات والمفخخات، وهذا بخلاف ما حاول ويحاول البعض تسويقه بأن حزب الله (هو دولة داخل الدولة) أو أنّه (ينفذ أجندات خارجية)، خاصة بعد الدخول المباشر للحزب على خط الأزمة السورية.

إضافة إلى ما سبق، فإن الالتفاف الجماهيري الكبير حول المقاومة، بعد انطلاق معركة الجرود، يؤكد من جديد أن خط المقاومة هو الخط الصحيح، الذي ما يزال يحظى بدعم أغلبية اللبنانيين والعرب، والأصوات المعارضة وجدت نفسها معزولة ومخنوقة في آنٍ معاً.

أما في البعد السوري، فمنطقة القلمون، في ريف دمشق، تُشكِّل أهمية استراتيجية وعسكرية كبيرة نظراً لموقعها على امتداد الأراضي السورية، وإشرافها على أهم الطرق الحيوية، وهو الطريق الدولي الذي يصل العاصمة دمشق بباقي الأراضي السورية، لذلك يُعتبَر انتصار عرسال حلقة جديدةً في سلسلة القضاء على الوجود الإرهابي في القلمون، وسيؤدي إلى إزالة المخاطر الأمنية، خاصة عن العاصمة السورية.

أما فلسطينياً، فمن محاسن المصادفات أن يترافق هذا الانتصار العظيم مع انتفاضة الأقصى المباركة، ليعيد إلى الذاكرة الفلسطينية، والعربية عموماً، المصدر الحقيقي للخطر على مصالح الأمة العربية، الذي يتمثل بإرهاب الكيان الصهيوني وأدواته من الجماعات التكفيرية في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن ترافق هذين الحدثين يبعث الأمل من جديد، حول إمكانية توحيد جهود المقاومين الأبطال في كل مكان، لكي يتحقق الانتصار الأكبر بدحر العدو الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة.

أما إقليمياً فإن انتصار عرسال يُشكّل رسالةً واضحةً للدول العربية التي تآمرت على سورية، متجاهلةً إحدى أهم المسلمات الجيوسياسية، المتمثلة بترابط الأمن الوطني لأي دولة بأمنها الإقليمي، رسالةً مفادها أنّ المقاومة اللبنانية ستكون حيث يجب أن تكون، وحيث يقتضي الواجب الإنساني والأخلاقي لأي مقاومة شريفة، وأن النصر حليفها أينما وجدت.

فعلى الرغم من أن جبهة النصرة الإرهابية تشكلت وخرجت من سورية، إلا أنها أصبحت تهديداً مباشراً لأمن لبنان عبر تمركزها على الحدود السورية-اللبنانية، وهذا ما يؤكد صوابية موقف حزب الله بدخوله المباشر على خط الأزمة السورية، وأما الأصوات الإقليمية التي حاولت تشويه صورة الحزب، فلقد بان شذوذها وظهر حجم تآمرها على القضايا العربية.

يُشكِّل انتصار عرسال، في بعده الدولي، رسالةً واضحةً إلى كل من يعتقد بأن الاستثمار في ورقة الإرهاب هو خيارٌ صحيحٌ، فلا يمكن لهذه الجماعات الإرهابية أن تنمو وتستمر، في أي بلد عربي، مهما بلغت محفّزات النمو، وانتصار عرسال والالتفاف الجماهيري حوله يؤكدان هذه الحقيقة الناصعة من جديد.

فعلى الدول الغربية، التي اتخذت الجماعات الإرهابية مطيةً لتمرير مشاريعها ومخططاتها الجيوسياسية، أن تعيد حساباتها؛ فالإرهاب التكفيري هو خطر يهدد الجميع، وأي محاولة لإعادة صياغته أو تعريفه مصيرها الفشل.

ختاماً… نبارك للمقاومة اللبنانية والشعب اللبناني والعربي وكل الشرفاء في العالم هذا الانتصار العظيم، إذ إنّ هذا الانتصار يتمثّل لا باسترجاع منطقة ما من أيدي الإرهابيين فحسب، على الرغم من الأهمية الكبيرة لذلك من الناحيتين الأمنية والعسكرية؛ بل هو انتصار لمشروع أصيل على مشروع خبيث، أريد للشعوب العربية أن تنساق وراءه، هو انتصار للفكر الخيّر والنيّر على الأفكار الظلامية والرجعية.

ما أشبه اليوم بالأمس، فبالرغم من كل المحاولات اليائسة والبائسة لتلميع صورة الباطل وتجميله في أذهان الناس، إلا أنّ الحق أبلج والباطل لجلج.

العدد 1104 - 24/4/2024