الاتفق النـووي الإيراني ـــ الأممي وحسابات الأمــن القــومي العـربي الاستراتيجيــة (2من2)

من التداعيات المنظورة لسباق التسلح الناجم عن الاتفاق النووي الإيراني تلك التي ستطول البعد الاقتصادي من زاوية عرقلة عمليات التنمية في المجالات المختلفة، بسبب تحويل مبالغ طائلة للإنفاق العسكري، قد يؤدي إلى مراكمة الديون بسبب الفوائد التي تضعها الدول المصدرة للسلاح على الدول المستوردة، التي ستبقى بحاجة إلى التدريب والصيانة وقطع الغيار للمحافظة على جاهزيتها وبناء الإنشاءات العسكرية، أي وجود عسكري مباشر مما يجعلها تدور في فلكها البديهي أن سباق التسلح بعد الاتفاق سترتفع وتائره بفعل التحولات الإقليمية التي ستحدث بعد الاتفاق والتهويل الإعلامي والسياسات الأمريكية تنفخ في كور الخطر الصاروخي الإيراني المهدد لدول الخليج والسلم العالمي، وبفعل عوامل الإعياء الاستراتيجي الداخلي المصابة به أنظمة محميات الخليج العربي.

من زاوية أخرى يساهم الإنفاق العسكري في تطوير منهاج البحث والمستوى التكنولوجي للدول التي تنتهج هذه السياسة، إذ يؤدي ذلك إلى تعزيز مفهوم الكمون القتالي والعسكري، مع أن هذا العنوان يرتبط مباشرة بالتطور الصناعي والتكنولوجي للدولة، وتطوير الكفاءة القتالية ورفعها ويكون له مكاسب ومردود اقتصادي بسبب الاستمرار في تطور الصناعات العسكرية يشكل مصدراً من مصادر الثروة الوطنية، مع أن الواقع العربي لم يكن خاملاً من ناحية التسلح والإنفاق العسكري، فهو بل كان من أكثر مناطق العالم نشاطاً وإنفاقاً على التسلح قبل الاتفاق حسب المعلومات التالية:

شكل الإنفاق العسكري أكثر من 7% من الناتج المحلي في معظم الدول العربية، وخلال الأعوام 2002- 2010 بلغ 680 مليار دولار، بمعدل 75 دولاراً سنوياً (1)، وتأتي السعودية في الترتيب الثالث في العالم من حيث ميزانية الدفاع، فقد بلغت 80 مليار دولار عام ،2014 والإمارات في المركز الرابع عشر والعراق في المركز  الـ15 (2).

وشهد عام 2015 زيادة قدرها 5,2% عن العام السابق لتصل المبالغ إلى 196 مليار دولار، وأن الدول العربية الأكثر إنفاقاً على التسلح (3).

أما من حيث نسبة الإنفاق العسكري إلى حجم الناتج المحلي الكلي فقد جاء تصنيف بعض الدول العربية عالمياً على الترتيب التالي:

– عُمان في المركز الأول بنسبة 11,4%. (4)

– قطر في المركز الثاني بنسبة 10%.

– السعودية في المركز الثالث بنسبة 9,5%.

– العراق في المركز الرابع بنسبة 9%.

– الأردن جاء في المركز الخامس 8,6%.

– في حين بلغت نسبة ميزانية الدفاع المصرية 5% (5) ما يعادل 4,3 مليارات دولار دون المعونة الأمريكية السنوية التي تصل إلى 1,200 مليار دولار

– وبلغت ميزانية وزارة الدفاع الجزائرية 13 ملياراً (6) من دون وزارة الخلية التي بلغت موازنتها 7 مليارات دولار عام ،2015 أي 20 مليار دولار للدفاع والأمن بنسبة 11,6% من الناتج الإجمالي القومي.

ومن الملاحظ أن حجم الإنفاق العسكري العربي الهائل ليس له مردود سياسي في مواجهة الكيان الصهيوني، باستثناء حالة التسلح التي أجاد حزب الله استخدامها في مواجهة العدوان الصهيوني في حرب تموز عام ،2006 فقد استطاع أن يوجد معادلة ردع متبادلة مع الكيان الصهيوني (بيروت مقابل تل أبيب). بل استخدم السلاح العربي كسلاح عدوان (التحالف العربي ضد اليمن) وتفتيت لبعض الدول العربية وليس توحيدها (اليمن، ليبيا، وسورية).

كما أنه يفتقر للجدوى والقيمة السياسية في مواجهة تعاظم النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة العربية.

أما الكيان الصهيوني فقد بلغت 6,3% (7) من حجم الإنتاج المحلي أي ما يقارب 15,2 مليار دولار ،2012 وتحتل المركز السابع عشر. ووصلت إلى 8,8% (8) عام 2014 بملغ 23,2 مليار دولار واحتلت المركز 13 عالمياً. وتجدر الإشارة إلى أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية تراجعت إلى 7% عام 2010 بعدما كانت 30%عام 1974. وهو من العوامل التي ساعدت على ازدهار الاقتصاد لإسرائيل.

أما بخصوص دول الجوار العربي المتعاظمة النفوذ على حساب الواقع العربي المزعزع وغير المستقر، فقد بلغ في ( تركيا 18 مليار دولار، وإيران 14 مليار (9))، مستغلة الاضطرابات الهوجاء والعمياء التي تقضّ كياناته السياسية،وتبدد دور السلطة المركزية ومكانتها، لصالح أجندات خارجية هدفها تقسيم الوطن العربي وتحقيق مصالحها الاستراتيجية وضمان أمن الكيان الصهيوني.

المجال السياسي: يؤدي استفحال نزعة التسلح إلى التسبب بتفاقم أزمات المنطقة المأزومة في الأصل، وتحول الحرب المحدودة إلى حرب شاملة يشارك فيها عدة أطراف من كلا الجانبين (الحرب العراقية – الإيرانية)، والحرب العدوانية ضد اليمن التي تقودها السعودية، مما يزيد من فرص التدخل الخارجي ضمن المخططات الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والكيان الصهيوني،الذي تلتزم الولايات المتحدة بأمنه وضمان تفوقه النوعي، بحكم التكامل بين الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، وأن الاختلاف بينهما لا يتجاوز الاختلاف في ترتيب الأولويات، كالخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني الذي لن يؤدي إلى زعزعة الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل. على الرغم من كسر احتكارها للقدرات النووية، وتأتي أهميتها من:

– أنها وليدة توافق المصالح بين حركة الاستعمار الأوربية والحركة الصهيونية العالمية، التي ما زالت تحظى بالأولوية الاستراتيجية على أجندات الدول الاستعمارية، من موقع أنها ما زالت تقوم بالدور الوظيفي الذي أدى إلى نشأتها.

– الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يفصل بين الشرق العربي في آسيا ودول الشمال الإفريقي العربية، المطلة على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والقريبة من أوربا.

– الاستقرار السياسي والميزات الاجتماعية التي تتمتع بها دولة الاستيطان، في وسط محيط تتلاطمه أمواج فقدان الاستقرار والأمن، ويعتبرها الغرب والولايات المتحدة جزءاً من النسيج الاجتماعي الأوربي الذي يتمتع بالنموذج الديمقراطي الغربي.

– القدرات العلمية والتكنولوجية المتطورة، إذ تعتبر إسرائيل من أكثر دول العالم تقدماً في المجال العلمي والتكنولوجي،وتمتلك قدرات نووية عسكرية متطورة، فقد ذكر تقرير أمريكي عام 2004 (أن أخطر ما في البرنامج النووي الإسرائيلي هو إنتاج القنابل النيوترونية التكتيكية الصغيرة، إضافة إلى الغازات السامة والبكتيريا) (10).

__________________________________

المراجع

(1) – موقع البراق، مقال (حقائق صادمة من ميزانيات التسلح في الوطن العربي)، 18/ 8/2014.

(2)- موقع البنك الدولي (الكتاب السنوي للأسلحة ونزع السلاح).

(3) – موقع محطة D.W بالعربية.

(4)- موقع ساتل الإلكتروني، مقالة نائل عدوان 26/3/ 2012.

(5) – موقع المنتدى العربي للدفاع والتسلح، 28 آذار 2014الميزانية العسكرية مصر.

(6)- موقع (الجزائر والعالم)، مقالة محمد بو صواف 25/8/2015.

(7) موقع (الأهرام)، مقالة محمد حسن 2012.

(8) – وكالة الأناضول للأنباء، نقلاً عن المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية. تقرير التوازن العسكري.

(9)- ويكيبيديا مصدر سابق.

(10)- طارق فهمي – دراسة تقييم القدرات النووية الإسرائيلية.

العدد 1107 - 22/5/2024