بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الإسلام والمرأة

غيّر القرآن موقف العرب من المرأة تغييراً نوعياً، فاعترف جزئياً بمنزلتها وحقوقها وشخصيتها القانونية المستقلة، فرأى أنها مساوية للرجل بالخَلق (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى)-الحجرات/13. أي أنها جزء أساسي من جدلية الخلق والطبيعة، وقال رداً على الاستياء من ولادة الأنثى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ)- الشورى/49. واعتبر المرأة حاجة أساسية للرجل مثلما هو حاجة أساسية لها: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) -البقرة/187. إلا أن هذا الموقف الذي ينحو باتجاه المساواة، لم يستمر بالنهج نفسه حتى النهاية وخاصة بعد معركة أحد، فقد استغل التيار الذكوري ضعف المسلمين وأخذ يضغط باتجاه الحد من إعطاء حقوق أكثر للنساء، وبدأت التعليمات تتجه إلى التضييق على المرأة والإمعان في سيادة الرجل والإبقاء على شيء من عدم المساواة، ورغم ما جاء في سورة البقرة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهذه خطوة هامة نحو المساواة، فإن تتمة الآية لم تبق بالنسق نفسه، ففضلت الرجل (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)- البقرة/228. وهذا تمييز للرجل صريح لا لبس فيه وعدم مساواة واضحة، وقد دأب بعض الفقهاء خلال التاريخ الإسلامي كله على اجتزاء الآيات القرآنية وصولاً إلى تأكيد آرائهم لا آراء القرآن. وبالغوا في تفسير بعض الآيات مثل (ليس الذكر كالأنثى) -آل عمران/،36 وليس لها أن تطاوله بالحقوق والموقع الاجتماعي والاقتصادي. قرر القرآن أيضاً عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى) -البقرة/28. وهذا أيضاً ما يمكن أن يستنبطه الفقهاء والمتأولون من أحكام القرآن لو استخدموا المنهج العلمي في التأويل والأدوات المعرفية التي تساعدهم على استيعاب النص مربوطاً بزمانه وأحداثه وظروفه لا بلفظه المطلق.

يمكن الزواج، حسب القرآن، بموافقة الولي أو دون موافقته للأنثى البالغة غير القاصر (مع بعض الشروط). ولابد في الحالات كلها من موافقة البنت المخطوبة بأمر زواجها وباختيار زوجها. وأبقى القرآن على المهر (وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) -النساء/4. ويدفع المهر أيضاً للكتابية إذا تزوجها مسلم: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) -المائدة/5. وهكذا فالمهر حسب الإسلام أجر أو ثمن للمرأة، كما كان الحال قبل الإسلام.

سمح القرآن بتعدد الزوجات على ألا يزيد العدد عن أربع كحد أقصى (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) -النساء/،3 إلا أنه شدد على ضرورة العدل ونفى إمكانيته في الوقت نفسه (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كالْمُعَلَّقَةِ) -النساء/129. وقد تحول نفي إمكانية العدل إلى نصيحة وطلب رأفة. وعلى أي حال فإن عدم إمكانية العدل أخف وطأة من إباحة ملك اليمين في النساء حيث العدد غير محدود. وملك اليمين هو ملكية الرجل للأمَة، فمن ملك جارية جاز له أن يتسرّاها، وهي حِلّ له سواء أكان متزوجاً أم غير متزوج، ويحل له أن يتزوج أربعاً، وأن يملك من الجواري ويتسرى بهن ماشاء من العدد وإن كثر. ونلاحظ في أيامنا أن تنظيم (داعش) ينزع لتطبيق ما يسمى بملك اليمين على النساء غير المسلمات، ويطبقه فعلاً تيمناً بما كان أيام الإسلام الأول، أو تنفيذاً لتعليمات الإسلام عندما كان معمولاً بنظام الجواري والإماء.

ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في فرض عقوبة الزنا على الزاني (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) -النور2. ورغم أن بعض الفئات الإرهابية في أيامنا ترجُم المرأة الزانية في المناطق التي تسيطر عليها في سورية والعراق، فإنه لا يوجد في القرآن آية للرجم، وبالتالي فهم يرجمون دون مرجعية أو شرعية، وقد برر الفقهاء تنفيذ عقوبة الرجم بأن آية الرجم نُسخت تلاوتها وبقي حكمها؟! الطلاق في الإسلام، من حيث المبدأ، هو من حق الرجل مع وجود سبب واضح ومعقول، وهو مسموح في ضوء تعليمات القرآن ومضيّق عليه في الوقت نفسه فهو (محظور في نفسه مباح للضرورة). كما قال قاسم أمين. وقد صار الطلاق بتفسير الفقهاء من حق الرجل مطلقاً ولأي سبب، بينما تحتاج المرأة لتُطلِق زوجها إلى أسباب ومبررات وقرار قاض حسبما أفتى الفقهاء، فقد رووا عن النبي حديثاً يقول (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، أي منعوا عليها طلب الطلاق. لقد سمح القرآن بالطلاق إذاً وأعطى حق الطلاق للرجل ضمن شروط (ولا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)، وسمح للمرأة أن تأخذ هذا الحق إن اشترطت ذلك في عقد الزواج (حق العصمة). لكن الفقهاء ورجال الدين جعلوا الطلاق حقاً مطلقاً للرجل لأي سبب يراه، واستنكروا أن تطلب المرأة الطلاق مهما كان السبب. وإن طلبته لضرر لحق بها، أو ظلم أو جور، فلا بد أن تعتق نفسها أي تعيد مهرها، فالمهر ثمن لها كثمن الرقيق.

 أقر القرآن للمرأة نصيباً مفروضاً من الإرث (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)-النساء/7. وهكذا قرر الإسلام أن للمرأة حقاً في الإرث وليس صدقة. لكن هذا النصيب لم يصل إلى مثل نصيب الرجل (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)-النساء/،11 (وحرّم القرآن إكراه النساء على دفع ما يملكن للرجل لئلا يعضلهن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) -النساء/19. ورغم النهي الواضح والصارم عن عضل المرأة وابتزازها، فإن الأزواج مازالوا حتى الآن يعضلونهن ليُعفوا من متأخر المهر أو من بعض ملكيتها أو حقوقها.

غيّر الفقهاء تغييراً نوعياً في موقف الإسلام من المرأة، وتجاهلوا، في حالات عديدة، نصوصاً قرآنية صريحة، وتبنوا روايات أحاديث أو سنة عن النبي مشكوكاً بصحتها وضعيفة، وأعطوا السنّة النبوية في مواضع كثيرة قوة النص القرآني، ومن المستغرب مثلاً أن فقيهاً كحجة الإسلام أبي حامد الغزالي (1058-1111 م(، اعتمد في كثير مما كتبه عن المرأة على أحاديث ضعيفة، ويشير هو نفسه إلى ضعفها، ومع ذلك يتبناها ويعطي حكماً أو فتوى في ضوئها، ومن المستغرب أيضاً أن معظم الفقهاء كانوا يتجاهلون النصوص القرآنية واضحة الدلالة والصراحة والمباشرة والوضوح، ويتبنون أحاديث ضعيفة السند والمضمون لتحل محل النص القرآني فيما يتعلق بالنساء، وهكذا أنشأ بعض الفقهاء خطاباً جديداً كلياً في شأن المرأة، أخذ يزداد ظلماً وقسوة وعنتاً قرناً وراء قرن، حتى كاد أن يفقد جذوره القرآنية، وأدخلوا بعضاً من المفاهيم اليهودية والأساطير اليهودية القديمة، وأساطير بعض الديانات الشرقية الأخرى في تفسيرهم للقرآن وتعاليمه.

رفض معظم الفقهاء رفضاً مطلقاً مساواة المرأة بالرجل، واعتمدوا على أحاديث عن النبي أو قصص ملفقة، فروى الترمذي وأبو داوود وابن ماجة مثلاً حديثاً عن الرسول يقول (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)، وهذا يتناقض مع الآية (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)-الروم/،21 والآية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

كلما مر الزمن بعد مجيء الإسلام، ازداد الفقهاء تزمتاً تجاه المرأة واستخفافاً بها وبحقوقها، فقد أفتى (حجة الإسلام) الإمام أبو حامد الغزالي أن النكاح (الزواج) نوع رقّ، والمرأة رقيقة لزوجها وأن للمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة، فإذا ماتت ستر القبر العورات العشر. وقال أبو بكر الخوارزمي الفقيه والطبيب إن (ستر العورات من الحسنات، ودفن البنات من المكرمات) وكرر الغزالي فيما بعد ما يشبه قوله هذا (للمرأة ستران: الزواج والقبر). روى ابن مسعود عن النبي أن المرأة عورة، إذا خرجت استشرفها الشيطان، وهي أقرب ما تكون من الله ماكانت في بيتها. أي أن سجنها في بيتها ـ حسب هذه الرواية ـ هو الذي يقربها من الله أكثر من أي عمل آخر.

 ضخّم الفقهاء ورجال الدين حقوق الزوج على الزوجة حتى كادت المرأة لاتعرف كيف تؤدي هذه الحقوق، وذلك عن طريق الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة وغير الموثقة، وتداولوا الروايات غير الموثقة أيضاً دون سند تاريخي أو علمي فرووا عن أم سلمة زوجة النبي عن النبي أن (أيما امرأة مات زوجها عنها وهو راض دخلت الجنة) أي أن دخول الجنة مرهون برقّها وعبوديتها في الحياة الدنيا. لقد بالغ الفقهاء مثلاً في تفسير أسباب فرض الحجاب على المرأة، واعتمدوا آيات قرآنية مرجعيات لهم ولأحاديثهم، بعد أن فسروها وأوّلوها كما يريدون كي تطابق ميلهم للتضييق على المرأة فيما يتعلق بلباسها، فآية الحجاب وهي آية واحدة وحيدة ذات علاقة بالحجاب تضمنها القرآن، كانت تخص نساء النبي فقط دون المسلمين(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) -الأحزاب/53. ولهذه الأحكام أسباب نزول ليس الآن مجال سردها. ولكن المؤكد أن آية الحجاب هذه تتعلق بشكل صريح وقاطع وواضح بنساء النبي، كما أن الحجاب فيها لايعني أن تلبسه زوجة النبي بل يوضع حاجزاً بينها وبين الرجال. إلا أن فقهاء المسلمين حولوا الحجاب إلى لباس يغطي وجه المرأة ورأسها، ثم فيما بعد يديها، كما فرضوه على النساء عامة، وهكذا أخفى الفقهاء المرأة عن المجتمع والناس، والخطأ نفسه ارتكبوه فيما يتعلق بالخمار، فقد اعتبروا الخمار حجاباً مع أنه في الأصل وكما كان معروفاً أيام النبي عبارة عن منديل طويل كانت تضعه المرأة على رقبتها وتلقيه على ظهرها، وأمر القرآن بضرب الخمار على الجيوب، والجيوب المعنية هنا هي بين النهدين، أي أمر بإلقاء الخمار إلى الأمام على الصدر بدلاً من الظهر كما جاء في الآية المعنية (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) -النور/31. ولهذه الآية أسباب نزول أيضاً أهمها سد الذرائع أمام المشركين، وقد استغل الفقهاء هذه الآية ليس فقط في مجال الخمار وتوسيع نطاقه وطريقة لباسه، وإنما أيضاً تجاه الزينة وتحريم الجلوس مع المحارم دون حجاب وغير ذلك.

وعلى أي حال، كبّل الفقهاء المرأة في القرون اللاحقة لصدر الإسلام ليس فقط فيما يتعلق بلباسها، بل وازداد حصار حقوقها، وتحولت إلى ملك يمين أو (أمة مميزة)، وأبعدت عن حياة المجتمع العامة.

وأنكر الفقهاء على المرأة العمل السياسي وتولي الخلافة انطلاقاً من حديث آحاد رواه (أبو بكرة) يقول: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) -رواه البخاري. وهو حديث آحاد لم يسمعه أحد من النبي سوى (أبو بكرة)، ولذلك لا يعتد به كثيراً، خاصة أن أبا بكرة أعلنه بمناسبة موقعة الجمل بين علي وعائشة مبرراً دخوله المعركة مع علي، على أساس أنه سمع الحديث من النبي..

العدد 1105 - 01/5/2024