إطلالة على أوضاع المرأة في يومها العالمي

حرصت رابطة  النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة منذ تأسيسها عام 1948 على الاحتفال بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار كل عام، وبهذه المناسبة تتوجه الرابطة بالتحية الحارة والتهنئة إلى جماهير النساء السوريات، متمنية لهن ولعائلاتهن الاستقرار ووقف العنف والإرهاب وخروج البلاد من محنتها.

مئة وخمس سنوات مضت (1910-2015) على قيام الحركة العالمية المطالبة بحقوق المرأة، منذ المؤتمر العالمي للنساء الاشتراكيات في كوبنهاغن عام 1910 الذي يعتبر حدثاً تاريخياً هاماً في العقد الأول من القرن العشرين، والذي كان من أهم المحاولات الجدية ذات الطابع العالمي لبحث أوضاع المرأة والمطالبة بحقوقها.

أرادت هذه الحركة أن يكون هذا اليوم مكرساً لبحث أوضاع المرأة وموقعها في المجتمعات وتوفير الظروف الإنسانية الملائمة لها.

وقد أعلنت جامعة الدول العربية تبنيها لهذا اليوم عام 1970 وكرسته هيئة الأمم المتحدة عام 1977 تحت اسم يوم المرأة العالمي، رغم أن نضال المرأة في سبيل حقوقها وحل مشاكلها ومساهمتها في النضال العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي غير محصور بيوم معين أو بعام، فإن الثامن من آذار يمثل وحدة نضال النساء على المستوى العالمي، مما جعله يتطور وتتسع آفاقه ويكتسب اندفاعاً جديداً كل عام، فهو رمز تاريخي لكفاح النساء في العالم.

وفي إطار احتفالات العالم بهذا اليوم، يجمع المحللون السياسيون والاجتماعيون على أن قضية تحرير المرأة كانت إحدى السمات المميزة للقرن العشرين. قد يكون هذا الحكم صحيحاً لبعض الدول، إلا أن قضية المرأة مازالت هامشية في معظم دول العالم، فالحياة اليومية تظل تشكل لدى أغلبية نساء العالم كفاحاً صعباً وخطيراً، إلا أن طرح هذه القضية بوتيرة متصاعدة من قبل المرأة نفسها والقوى السياسية الفاعلة في البلاد، أمر يؤكد أهمية هذه المسألة من ناحية، وواقعيتها ضمن احتياجات المجتمع، من ناحية أخرى.

وإذا كانت المطالبة بالحق في التعلم والعمل قد تصاعدت في بدايات القرن العشرين، فإنها تجاوزت ذلك في بداية القرن الحادي والعشرين، إلى المطالبة بالحقوق الإنسانية الكاملة غير المنقوصة للمرأة، واعتبارها قضية مركزية في كل مشروع لتنمية المجتمعات وتقدمها. ونرى أن هذه القضية تتجاوز الكيان الإنساني للمرأة لتشمل المجتمع بكامله، فهي قضية خصوصية، باعتبارها تخص المرأة بلا جدال، لكنها تخص المجتمع أولاً وأخيراً. وإن موقع المرأة في الحياة العامة ونسبة مشاركتها في صنع القرار لا يزال دون مستوى قدراتها وطاقاتها ليس في العالم الثالث فقط، بل في كثير من بلدان العالم، ومن ضمنها البلدان الأكثر تقدماً من النواحي الاقتصادي والتعليمية والتكنولوجية.

إن النظرة الموضوعة إلى المرأة السورية في تاريخها القديم والحديث تبين أنها لم تكن معزولة عن الحياة الاجتماعية، ولا بعيدة عن العمل السياسي والنضالات الوطنية، وقد انعكس ذلك في تطور شخصية المرأة السورية وتفتحتها ووصولها إلى إشغال بعض المواقع الهامة والمؤثرة في حركة المجتمع وتطوره، ويشكل هذا مصدر اعتزاز لنا جميعاً نساء ورجالاً في هذا الوطن.. ولكن ماذا يعني أن نستمر في مطلع القرن الحادي والعشرين بتكرار المقولات نفسها لأول القرن العشرين، إذ نكاد نحصر قيمنا وأخلاقنا بحجاب النساء، وشرف النساء، وضجر النساء، والنظر إلى الوراء ورؤية شاباتنا كم يشبهن جداتهن على رغم ابتعادهن أربعة أو خمسة أجيال، وإن (جرائم الشرف) تعني قتل المرأة، وعدم مساءلة شريكها؟!

إن تخلف التشريعات القانونية فيما يختص بوضعية المرأة في سورية وفي الفضاء العربي، يلعب دور العقبة والمانع لتطور المرأة، فالقانون حاجة اجتماعية هامة، ويمكن للقوانين أن تكون أقوى وأكثر تقدماً من المنظومة الثقافية السائدة في المجتمع، ومن الواقع الاجتماعي نفسه، إلى أن يتحقق التوازي بين البعدين بفعل تراكم التجربة الاجتماعية مع الزمن الذي يتيح للقيم والقوانين فرصة الانتشار والرسوخ.

إن منظومة التشريعات والقوانين في البلدان العربية، ومنها سورية، بقيت دون تطوير أو تحديث، على الرغم من أنها شديدة المساس بالواقع القانوني للمرأة، وبعضها يعود إلى مراحل تاريخية موغلة في القدم ويرتكز من حيث المنظور الفكري والأيديولوجي إلى مجموعة من الموروثات السلفية المتناقضة مع التحولات الاجتماعي، ومع الدستور الوطني السوري ومع تطور الحياة البشرية كلها.

ويكفي أن نذكر اليوم ببعض القوانين المجحفة بحق المرأة، والتي أُشبعت كتابة وبحثاً خلال السنوات الطويلة الماضية، وكانت صحيفتا (نضال الشعب) و(النور) للحزب الشيوعي السوري الموحد منبراً هاماً ومتميزاً للحديث عن هذه القوانين والتشريعات، وقد قامت رابطة النساء السوريات بنشاطات هامة وعملية من أجل تعديلها، ولن ننسى نشرة (صوت المرأة) وكذلك (نون النسوة) التي كانت تصدرها الرابطة وفيها دراسات معمقة لهذه القوانين، مثل:

قانون الأحوال الشخصية، وقانون العقوبات، وقانون الجنسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وقسم كبير من الملاحظات على القوانين والاقتراحات، قدمتها وفود نسائية من الرابطة ومن المنظمات النسائية السورية الأخرى، وبقيت كلها تقبع في الدروج، آخرها قانون الجنسية تحت عنوان (جنسيتي حق لأبنائي).

إن المساواة بين الجنسين التي تجسدت في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، التي توصل إليها الفكر الإنساني بعد مسيرة طويلة، وتضحيات جمة على درب تطوره الحضاري، تقتضي إصلاح هذه التشريعات بما يضمن تحرراً للمجتمع بأكمله، لا للمرأة فقط.

إن المجتمعات العربية هي في تحول مستمر، والأسرة هي الخلية الأهم في هذه المجتمعات في تحول وتغير، وهناك فجوة بين واقع تطور الحياة وواقع جمود القوانين، وهذا تناقض كبير تعانيه المجتمعات العربية، ويتطلب جهوداً استثنائية لتحرير الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، ويبقى النهوض بقضية المرأة طموحاً يرتهن بتحديث مجتمعاتنا.

العدد 1104 - 24/4/2024